الصَّدَقاتِ لا يدل على أن ذلك اللمز كانلهذا السبب، إلا أن الروايات التي ذكرناهادلت أن سبب اللمز هو ذلك، و لو لا هذهالروايات لكان يحتمل وجوها أخر سواها.فأحدها: أن يقولوا أخذ الزكوات مطلقا غيرجائز، لأن انتزاع كسب الإنسان من يده غيرجائز. أقصى ما في الباب أن يقال: يأخذهاليصرفها إلى الفقراء إلا أن الجهال منهمكانوا يقولون إن اللّه تعالى أغنىالأغنياء، فوجب أن يكون هو المتكفل بمصالحعبيده الفقراء: فأما أن يأمرنا بذلك فهوغير معقول. فهذا هو الذي حكاه اللّه تعالىعن بعض اليهود، و هو أنهم قالوا: إِنَّاللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ وثانيها: أن يقولوا هب أنك تأخذ الزكوات إلاأن الذي تأخذه كثير، فوجب أن تقنع بأقل منذلك. و ثالثها: أن يقولوا هب أنك تأخذ هذاالكثير إلا أنك تصرفه إلى غير مصرفه. و هذاهو الذي دلت الأخبار على أن القوم أرادوه.قال أهل المعاني: هذه الآية تدل على ركاكةأخلاق أولئك المنافقين و دناءة طباعهم، وذلك لأنه لشدة شرههم إلى أخذ الصدقاتعابوا الرسول فنسبوه إلى الجور في القسمة،مع أنه كان أبعد خلق اللّه تعالى عن الميلإلى الدنيا. قال الضحاك: كان رسول اللّهصلّى الله عليه وسلّم يقسم بينهم ما آتاهاللّه من قليل المال و كثيره، و كانالمؤمنون يرضون بما أعطوا و يحمدون اللّهعليه. و أما المنافقون: فإن أعطوا كثيرافرحوا و إن أعطوا قليلا سخطوا، و ذلك يدلعلى أن رضاهم و سخطهم لطلب النصيب لا لأجلالدين. و قيل: إن النبي صلّى الله عليهوسلّم كان يستعطف قلوب أهل مكة يومئذبتوفر الغنائم عليهم، فسخط المنافقون. وقوله: إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ كلمة إِذاللمفاجأة، أي و إن لم يعطوا منها فاجؤاالسخط.
ثم قال: وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا الآية والمعنى: و لو أنهم رضوا بما أعطاهم رسولاللّه صلّى الله عليه وسلّم من الغنيمة وطابت نفوسهم و إن قل، و قالوا: كفانا ذلك وسيرزقنا اللّه غنيمة أخرى، فيعطينا رسولاللّه صلّى الله عليه وسلّم أكثر مماأعطانا اليوم، إنا إلى طاعة اللّه وإفضاله و إحسانه لراغبون.
و اعلم أن جواب «لو» محذوف، و التقدير:لكان خيرا لهم و أعود عليهم، و ذلك لأنهغلب عليهم النفاق و لم يحضر الإيمان فىقلوبهم، فيتوكلوا على اللّه حق توكله، وترك الجواب في هذا المعرض أدل على التعظيمو التهويل، و هو كقولك للرجل: لو جئتنا، ثملا تذكر الجواب، أي لو فعلت ذلك لرأيت أمراعظيما.
و أما من طلب الدنيا بقدر ما أذن اللّهفيه، و كان غرضه من الدنيا أن يتوسل إلىمصالح الدين فهذا هو الطريق الحق، و الأصلفي هذا الباب أن يكون راضيا بقضاء اللّه،ألا ترى أنه قال: وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُواما آتاهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَااللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُإِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ فذكر فيهمراتب أربعة:
الرضا بما آتاهم اللّه ورسوله لعلمه بأنه تعالى حكيم منزه عنالعبث و الخطأ، و حكيم بمعنى أنه عليمبعواقب الأمور، و كل ما كان حكما له و قضاءكان حقا و صوابا و لا اعتراض عليه.
أن يظهر آثار ذلكالرضا على لسانهم، و هو قوله: وَ قالُواحَسْبُنَا اللَّهُ يعني أن غيرنا أخذواالمال و نحن لما رضينا بحكم اللّه و قضائهفقد فزنا بهذه المرتبة العظيمة فيالعبودية، فحسبنا اللّه.
و هي أن الإنسان إذا لميبلغ إلى تلك الدرجة العالية التي عندهايقول: حَسْبُنَا اللَّهُ نزل