أهل سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمآمن باللّه؟ و يقويه قراءة عبد اللّه بنالزبير سقاة الحاج و عمرة المسجد الحرام والثاني: أن نقول التقدير أجعلتم سقايةالحاج كإيمان من آمن باللّه؟ و نظيره قولهتعالى:
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّواوُجُوهَكُمْ إلى قوله: وَ لكِنَّ الْبِرَّمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [البقرة: 177].
و عن عمر أنه وجد نبيذ السقاية من الزبيبشديدا فكسر منه بالماء ثلاثا، و قال إذااشتد عليكم فاكسروا منه بالماء و أماعمارة المسجد الحرام فالمراد تجهيزه وتحسين صورة جدرانه، و لما ذكر تعالى وصفالفريقين قال: لا يَسْتَوُونَ ولكن لماكان نفي المساواة بينهما لا يفيد أنالراجح من هو؟ نبه على الراجح بقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَالظَّالِمِينَ فبين أن الكافرين ظالمونلأنفسهم فإنهم خلقوا للإيمان وهم رضوابالكفر و كانوا ظالمين، لأن الظلم عبارةعن وضع الشيء في غير موضعه و أيضا ظلمواالمسجد الحرام، فإنه تعالى خلقه ليكونموضعا لعبادة اللّه تعالى، فجعلوه موضعالعبادة الأوثان، فكان هذا ظلما.
الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِبِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْأَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20)يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍمِنْهُ وَ رِضْوانٍ وَ جَنَّاتٍ لَهُمْفِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَفِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُأَجْرٌ عَظِيمٌ (22)
اعلم أنه تعالى ذكر ترجيح الإيمان والجهاد على السقاية و عمارة المسجدالحرام، على طريق الرمز ثم أتبعه بذكر هذاالترجيح على سبيل التصريح في هذه الآية،فقال: إن من كان موصوفا بهذه الصفاتالأربعة كان أعظم درجة عند اللّه ممن اتصفبالسقاية و العمارة و تلك الصفات الأربعةهي هذه: فأولها الإيمان، و ثانيها الهجرة،و ثالثها الجهاد في سبيل اللّه بالمال ورابعها الجهاد بالنفس، و إنما قلنا إنالموصوفين بهذه الصفات الأربعة في غايةالجلالة و الرفعة لأن الإنسان ليس له إلامجموع أمور ثلاثة: الروح، و البدن، والمال. أما الروح فلما زال عنه الكفر و حصلفيه الإيمان، فقد وصل إلى مراتب السعاداتاللائقة بها. و أما البدن و المال فبسببالهجرة وقعا في النقصان، و بسبب الاشتغالبالجهاد صارا معرضين للهلاك و البطلان ولا شك أن النفس و المال محبوب الإنسان، والإنسان لا يعرض عن محبوبه إلا للفوزبمحبوب أكمل من الأول، فلولا أن طلبالرضوان أتم عندهم من النفس و المال، و إلالما رجحوا جانب الآخرة على جانب النفس والمال و لما رضوا بإهدار النفس و الماللطلب مرضاة اللّه تعالى فثبت أن عند حصولالصفات الأربعة صار الإنسان و اصلا إلىآخر درجات البشرية و أول مراتب درجاتالملائكة، و أي مناسبة بين هذه الدرجة وبين الإقدام على السقاية و العمارة لمجردالاقتداء بالآباء و الأسلاف و لطلبالرياسة و السمعة؟ فثبت بهذا البرهاناليقين صحة قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواوَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِاللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْأَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ.
و اعلم أنه تعالى لم يقل أعظم درجة منالمشتغلين بالسقاية و العمارة لأنه لو عينذكرهم لأوهم أن فضيلتهم إنما حصلت بالنسبةإليهم، و لما ترك ذكر المرجوح، دل ذلك علىأنهم أفضل من كل من سواهم على