بالاستسلام لكل ما يصل إليه في هذا الباب،و اللَّه أعلم.
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَ مَنْمَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَ جَعَلْناهُمْخَلائِفَ وَ أَغْرَقْنَا الَّذِينَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَكانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)
اعلم أنه تعالى لما حكى الكلمات التي جرتبين نوح و بين أولئك الكفار، ذكر ما إليهرجعت عاقبة تلك الواقعة، أما في حق نوح وأصحابه فأمران: أحدهما: أنه تعالى نجاهم منالكفار. الثاني: أنه جعلهم خلائف بمعنىأنهم يخلفون من هلك بالغرق، و أما في حقالكفار فهو أنه تعالى أغرقهم و أهلكهم. وهذه القصة إذا سمعها من صدق الرسول و منكذب به كانت زجرا للمكلفين من حيث يخافونأن ينزل بهم مثل ما نزل بقوم نوح و تكونداعية للمؤمنين على الثبات على الإيمان،ليصلوا إلى مثل ما وصل إليه قوم نوح، و هذهالطريقة في الترغيب و التحذير إذا جرت علىسبيل الحكاية عمن تقدم كانت أبلغ منالوعيد المبتدأ و على هذا الوجه ذكر تعالىأقاصيص الأنبياء عليهم السلام.
و أما تفاصيل هذه القصة فهي مذكورة فيسائر السور.
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاًإِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْبِالْبَيِّناتِ فَما كانُوالِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْقَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِالْمُعْتَدِينَ (74)
اعلم أن المراد: ثم بعثنا من بعد نوح رسلاو لم يسمهم، و كان منهم هود و صالح وإبراهيم و لوط و شعيب صلوات اللَّه عليهمأجمعين بالبينات، و هي المعجزات القاهرة،فأخبر تعالى عنهم أنهم جروا على منهاج قومنوح في التكذيب، و لم يزجرهم ما بلغهم منإهلاك اللَّه تعالى المكذبين من قوم نوحعن ذلك، فلهذا قال:
فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِماكَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ و ليس المرادعين ما كذبوا به، لأن ذلك لم يحصل في زمانهبل المراد بمثل ما كذبوا به من البينات،لأن البينات الظاهرة على الأنبياء عليهمالسلام أجمع كأنها و احدة.
ثم قال تعالى: كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلىقُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ و احتج أصحابناعلى أن اللَّه تعالى قد يمنع المكلف عنالإيمان بهذه الآية و تقريره ظاهر. قالالقاضي: الطبع غير مانع من الإيمان بدليلقوله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهابِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّاقَلِيلًا [النساء: 155] و لو كان هذا الطبعمانعا لما صح هذا الاستثناء.
و الجواب: أن الكلام في هذه المسألة قد سبقعلى الاستقصاء في تفسير قوله تعالى:خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ [البقرة: 7] فلا فائدة فيالإعادة.
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسىوَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِبِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُواقَوْماً مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّاجاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُواإِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قالَمُوسى أَ تَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّاجاءَكُمْ أَ سِحْرٌ هذا وَ لا يُفْلِحُالسَّاحِرُونَ (77)