وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِيالْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىيَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَ ما كانَلِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِاللَّهِ وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَىالَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100)
اعلم أن هذه السورة من أولها إلى هذاالموضع في بيان حكاية شبهات الكفار فيإنكار النبوة مع الجواب عنها، و كانت إحدىشبهاتهم أن النبي صلّى الله عليه وسلّمكان يهددهم بنزول العذاب مع الكافرين، وبعد اتباعه إن اللَّه ينصرهم و يعلي شأنهمو يقوي جانبهم، ثم إن الكفار ما رأوا ذلكفجعلوا ذلك شبهة في الطعن في نبوته، وكانوا يبالغون في استعجال ذلك العذاب علىسبيل السخرية، ثم إن اللَّه سبحانه وتعالى بين أن تأخير الموعود به لا يقدح فيصحة الوعد، ثم ضرب لهذا أمثلة و هي واقعةنوح و واقعة موسى عليهما السلام مع فرعون وامتدت هذه البيانات إلى هذه المقامات، ثمفي هذه الآية بين أن جد الرسول في دخولهمفي الإيمان لا ينفع و مبالغته في تقريرالدلائل، و في الجواب عن الشبهات لا تفيد،لأن الإيمان لا يحصل إلا بتخليق اللَّهتعالى و مشيئته و إرشاده و هدايته، فإذا لميحصل هذا المعنى لم يحصل الإيمان،
و في الآية مسائل:
فقالوا كلمة (لو) تفيد انتفاء الشيءلانتفاء غيره، فقوله: وَ لَوْ شاءَرَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِكُلُّهُمْ يقتضي أنه ما حصلت تلك المشيئةو ما حصل إيمان أهل الأرض بالكلية فدل هذاعلى أنه تعالى ما أراد إيمان الكل، أجابالجبائي و القاضي و غيرهما بأن المرادمشيئة الإلجاء، أي لو شاء اللَّه أنيلجئهم إلى الإيمان لقدر عليه و لصح ذلكمنه، و لكنه ما فعل ذلك، لأن الإيمانالصادر من العبد على سبيل الإلجاء لاينفعه و لا يفيده فائدة، ثم قال الجبائي:
و معنى إلجاء اللَّه تعالى إياهم إلى ذلك،أن يعرفهم اضطرارا أنهم لو حاولوا تركه،حال اللَّه بينهم و بين ذلك و عند هذا لا بدو أن يفعلوا ما ألجئوا إليه كما أن من علممنا أنه إن حاول قتل ملك فإنه يمنعه منهقهرا لم يكن تركه لذلك الفعل سببالاستحقاق المدح و الثواب فكذا ههنا.
و اعلم أن هذا الكلام ضعيف و بيانه منوجوه: الأول: أن الكافر كان قادرا علىالكفر فهل كان قادرا على الإيمان، أو ماكان قادرا عليه؟ فإن قدر على الكفر و لميقدر على الإيمان فحينئذ تكون القدرة علىالكفر مستلزمة للكفر، فإذا كان خالق تلكالقدرة هو اللَّه تعالى لزم أن يقال إنهتعالى خلق فيه قدرة مستلزمة للكفر فوجب أنيقال إنه أراد منه الكفر و أما إن كانتالقدرة صالحة للضدين كما هو مذهب القوم،فرجحان أحد الطرفين على الآخر إن لم يتوقفعلى المرجح فقد حصل الرجحان لا لمرجح و هذاباطل، و إن توقف على مرجح فذلك المرجح إماأن يكون من العبد أو من اللَّه فإن كان منالعبد عاد التقسيم فيه و لزم التسلسل و هومحال، و إن كان من اللَّه تعالى فحينئذيكون مجموع تلك القدرة مع تلك الداعيةموجبا لذلك الكفر فإذا كان خالق القدرة والداعية هو اللَّه تعالى فحينئذ عادالإلزام. الثاني: أن قوله: وَ لَوْ شاءَرَبُّكَ لا يجوز حمله على مشيئة الإلجاء،لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما كانيطلب أن يحصل لهم إيمان لا يفيدهم فيالآخرة، فبين تعالى أنه لا قدرة للرسولعلى تحصيل هذا الإيمان، ثم قال: وَ لَوْشاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِكُلُّهُمْ جَمِيعاً فوجب أن يكون المرادمن الإيمان المذكور في هذه الآية هو هذاالإيمان النافع حتى يكون الكلام منتظما،فأما حمل اللفظ على مشيئة القهر و الإلجاءفإنه لا يليق بهذا الموضع. الثالث: المرادبهذا الإلجاء، إما أن يكون هو أن