[يس: 79] و ثالثها: قوله تعالى: وَ لَقَدْعَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولىفَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ [الواقعة: 62] ورابعها: قوله تعالى: أَ فَعَيِينابِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِيلَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق: 15] وخامسها: قوله تعالى: أَ يَحْسَبُالْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَ لَمْيَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى[القيامة: 36، 33] إلى قوله: أَ لَيْسَ ذلِكَبِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَالْمَوْتى [القيامة: 40] و سادسها: قولهتعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْكُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِفَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ [الحج:5] إلى قوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَالْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتىوَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌوَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَفِيها وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِيالْقُبُورِ [الحج: 6، 7] فاستشهد تعالى فيهذه الآية على صحة الحشر بأمور: الأول: أنهاستدل بالخلق الأول على إمكان الخلقالثاني و هو قوله: إِنْ كُنْتُمْ فِيرَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّاخَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ كأنه تعالىيقول: لما حصل الخلق الأول بانتقال هذهالأجسام من أحوال إلى أحوال أخرى فلم لايجوز أن يحصل الخلق الثاني بعد تغيراتكثيرة، و اختلافات متعاقبة؟ و الثاني: أنهتعالى شبهها بإحياء الأرض الميتة. والثالث: أنه تعالى هو الحق و إنما يكونكذلك لو كان كامل القدرة تام العلم والحكمة. فهذه هي الوجوه المستنبطة من هذهالآية على إمكان صحة الحشر و النشر.
و الآية السابعة: في هذا الباب قوله تعالى:قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداًأَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِيصُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْيُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْأَوَّلَ مَرَّةٍ [الإسراء: 50، 51].
أنه تعالى لما قدر علىتخليق ما هو أعظم من أبدان الناس فكيفيقال: إنه لا يقدر على إعادتها؟
فإن من كان الفعل الأصعب عليه سهلا، فلأنيكون الفعل السهل الحقير عليه سهلا كانأولى و هذا المعنى مذكور في آيات كثيرة:منها: قوله تعالى: أَ وَ لَيْسَ الَّذِيخَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَبِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَمِثْلَهُمْ [يس: 81] و ثانيها: قوله تعالى: أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِيخَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْيَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلىأَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى [الأحقاف: 33] وثالثها: أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِالسَّماءُ بَناها [النازعات: 27].
الاستدلال بحصول اليقظةبعد النوم على جواز الحشر و النشر،
فإن النوم أخو الموت، و اليقظة شبيهةبالحياة بعد الموت قال تعالى: وَ هُوَالَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ[الأنعام:
60] ثم ذكر عقيبه أمر الموت و البعث، فقال:وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىإِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُتَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لايُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَىاللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [الأنعام: 61،62] و قال في آية أخرى اللَّهُ يَتَوَفَّىالْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِيلَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها إلى قوله: إِنَّفِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍيَتَفَكَّرُونَ [الزمر: 42] و المراد منهالاستدلال بحصول هذه الأحوال على صحةالبعث و الحشر و النشر.
أن الإحياء بعد الموت لايستنكر إلا من حيث إنه يحصل الضد بعد حصولالضد،
إلا أن ذلك غير مستنكر في قدرة اللّهتعالى، لأنه لما جاز حصول الموت عقيبالحياة فكيف يستبعد حصول الحياة مرة أخرىبعد الموت؟ فإن حكم الضدين واحد قال تعالىمقررا لهذا المعنى: نَحْنُ قَدَّرْنابَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَ ما نَحْنُبِمَسْبُوقِينَ [الواقعة: 60] و أيضا نجدالنار مع حرها و يبسها تتولد من الشجرالأخضر مع برده و رطوبته فقال: الَّذِيجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِالْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْمِنْهُ تُوقِدُونَ [يس: 80] فكذا ههنا، فهذاجملة الكلام في بيان أن القول بالمعاد، وحصول الحشر و النشر غير مستبعد في العقول.