العرش الذي هو أعظم المخلوقات قد أمسكهاللَّه تعالى فوق سبع سموات من غير دعامةتحته و لا علاقة فوقه، و ذلك يدل أيضا علىما ذكرنا.
هل يصح ما يروى أنه قيل يارسول اللَّه، أين كان ربنا قبل خلقالسموات و الأرض؟
فقال كان في عماء فوقه هواء و تحته هواء.
و الجواب: أن هذه الرواية ضعيفة، و الأولىأن يكون الخبر المشهور أولى بالقبول و هوقوله صلّى الله عليه وسلّم كان اللَّه و ماكان معه شيء، ثم كان عرشه على الماء.
اللام في قوله:لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُعَمَلًا يقتضي أنه تعالى خلق السموات والأرض لابتلاء المكلف فكيف الحال فيه؟
و الجواب ظاهر هذا الكلام يقتضي أن اللَّهتعالى خلق هذا العالم الكثير لمصلحةالمكلفين، و قد قال بهذا القول طوائف منالعقلاء، و لكل طائفة فيه وجه آخر سوىالوجه الذي قال به الآخرون، و شرح تلكالمقالات لا يليق بهذا الكتاب. و الذينقالوا إن أفعاله و أحكامه غير معللةبالمصالح قالوا: لام التعليل و ردت علىظاهر الأمر، و معناه أنه تعالى فعل فعلا لوكان يفعله من تجوز عليه رعاية المصالح لمافعله إلا لهذا الغرض.
الابتلاء إنما يصح علىالجاهل بعواقب الأمور و ذلك عليه تعالىمحال، فكيف يعقل حصول معنى الابتلاء فيحقه؟
و الجواب: أن هذا الكلام على سبيلالاستقصاء ذكرناه في تفسير قوله تعالى فيأول سورة البقرة:
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 21].
و اعلم أنه تعالى لما بين أنه خلق هذاالعالم لأجل ابتلاء المكلفين و امتحانهمفهذا يوجب القطع بحصول الحشر و النشر، لأنالابتلاء و الامتحان يوجب تخصيص المحسنبالرحمة و الثواب و تخصيص المسيءبالعقاب، و ذلك لا يتم إلا مع الاعترافبالمعاد و القيامة، فعند هذا خاطب محمداعليه الصلاة و السلام و قال:
وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْمَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِلَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْهذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ و معناه أنهمينكرون هذا الكلام و يحكمون بفساد القولبالبعث.
فإن قيل: الذي يمكن وصفه بأنه سحر ما يكونفعلا مخصوصا، و كيف يمكن وصف هذا القولبأنه سحر؟
قلنا: الجواب عنه من وجوه: الأول: قالالقفال: معناه أن هذا القول خديعة منكم وضعتموها لمنع الناس عن لذات الدنيا وإحرازا لهم إلى الانقياد لكم و الدخول تحتطاعتكم. الثاني: أن معنى قوله: إِنْ هذاإِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ هو أن السحر أمرباطل، قال تعالى حاكيا عن موسى عليهالسلام ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّاللَّهَ سَيُبْطِلُهُ [يونس: 81] فقوله:إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أي باطلمبين. الثالث: أن القرآن هو الحاكم بحصولالبعث و طعنوا في القرآن بكونه سحرا لأنالطعن في الأصل يفيد الطعن في الفرع.الرابع: قرأ حمزة و الكسائي إن هذا إلاساحر يريدون النبي صلّى الله عليه وسلّم والساحر كاذب.
وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَإِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْلَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَبِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8)