مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 17 -صفحه : 173/ 162
نمايش فراداده

هذا هو التحقيق في هذا التركيب، فلهذاالمعنى قال الفقهاء: إن الشرط المؤخر فياللفظ مقدم في المعنى، و المقدم في اللفظمؤخر في المعنى.

و اعلم أن نوحا عليه السلام لما قرر هذهالمعاني قال: هُوَ رَبُّكُمْ وَ إِلَيْهِتُرْجَعُونَ و هذا نهاية الوعيد أي هوإلهكم الذي خلقكم و رباكم و يملك التصرف فيذواتكم و في صفاتكم قبل الموت و عند الموتو بعد الموت مرجعكم إليه و هذا يفيد نهايةالتحذير.

[سورة هود (11): آية 35]

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِافْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)

اعلم أن معنى افتراه اختلقه و افتعله وجاء به من عند نفسه، و الهاء ترجع إلىالوحي الذي بلغه إليهم، و قوله: فَعَلَيَّإِجْرامِي الإجرام اقتراح المحظورات واكتسابها، و هذا من باب حذف المضاف، لأنالمعنى:

فعلي عقاب إجرامي، و في الآية محذوف آخر وهو أن المعنى: إن كنت افتريته فعلي عقابجرمي، و إن كنت صادقا و كذبتموني فعليكمعقاب ذلك التكذيب، إلا أنه حذف هذه البقيةلدلالة الكلام عليه، كقوله: أَمَّنْ هُوَقانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [الزمر: 9] و لميذكر البقية، و قوله: وَ أَنَا بَرِي‏ءٌمِمَّا تُجْرِمُونَ أي أنا بري‏ء من عقابجرمكم، و أكثر المفسرين على أن هذا من بقيةكلام نوح عليه السلام، و هذه الآية و قعتفي قصة محمد صلى اللنه عليه و سلم في أثناءحكاية نوح، و قولهم بعيد جدا، و أيضا قوله:قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّإِجْرامِي لا يدل على أنه كان شاكا، إلاأنه قول يقال على وجه الإنكار عند اليأس منالقبول.

[سورة هود (11): آية 36]

وَ أُوحِيَ إِلى‏ نُوحٍ أَنَّهُ لَنْيُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْآمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوايَفْعَلُونَ (36)

فيه مسائل:

المسألة الأولى: قال ابن عباس رضي اللَّهعنهما: لما جاء هذا من عند اللَّه تعالىدعا على قومه‏

فقال:

رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَالْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: 26] و قوله:فَلا تَبْتَئِسْ أي لا تحزن، قال أبو زيد:

ابتأس الرجل إذا بلغه شي‏ء يكرهه، و أنشدأبو عبيدة:


  • ما يقسم اللَّه أقبل غير مبتئس به وأقعد كريما ناعم البال‏

  • به وأقعد كريما ناعم البال‏ به وأقعد كريما ناعم البال‏

أي غير حزين و لا كاره.

المسألة الثانية: احتج أصحابنا بهذهالآية على صحة قولهم في القضاء و القدر

و قالوا: إنه تعالى أخبر عن قومه أنهم لايؤمنون بعد ذلك، فلو حصل إيمانهم لكان إمامع بقاء هذا الخبر صدقا، و مع بقاء هذاالعلم علما أو مع انقلاب هذا الخبر كذبا ومع انقلاب هذا العلم جهلا و الأول ظاهرالبطلان لأن وجود الإيمان مع أن يكونالإخبار عن عدم الإيمان صدقا، و مع كونالعلم بعدم الإيمان حاصلا حال وجودالإيمان جمع بين النقيضين، و الثاني أيضاباطل، لأن انقلاب خبر اللَّه كذبا و علماللَّه جهلا محال، و لما كان صدور الإيمانمنهم لا بد و أن يكون على هذين القسمين وثبت أن كل و احد منهما محال كان صدورالإيمان منهم محالا مع أنهم كانوا مأمورينبه، و أيضا القوم كانوا مأمورين بالإيمانو من الإيمان تصديق اللَّه تعالى في كل ماأخبر عنه. و منه قوله:

أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَإِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فيلزم أن يقال:إنهم كانوا مأمورين بأن يؤمنوا بأنهم لايؤمنون ألبتة.

و ذلك تكليف الجمع بين النقيضين، و تقريرهذا الكلام قد مر في هذا الكتاب مرارا وأطوارا.