المسألة الثانية: قوله: وَ لايَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْأَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُيُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ جزاء معلق علىشرط بعده شرط آخر - مفاتیح الشرائع جلد 17
لطفا منتظر باشید ...
قالوا: إن نوحا عليه السلام قال: وَ لايَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْأَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُيُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ و التقدير: لاينفعكم نصحي إن كان اللَّه يريد أن يغويكمو يضلكم، و هذا صريح في مذهبنا، أماالمعتزلة فإنهم قالوا ظاهر الآية يدل علىأن اللَّه تعالى إن أراد إغواء القوم لمينتفعوا بنصح الرسول، و هذا مسلم، فإنانعرف أن اللَّه تعالى لو أراد إغواء عبدفإنه لا ينفعه نصح الناصحين، لكن لم قلتمإنه تعالى أراد هذا الإغواء فإن النزاع ماوقع إلا فيه، بل نقول إن نوحا عليه السلامإنما ذكر هذا الكلام ليدل على أنه تعالى ماأغواهم، بل فوض الاختيار إليهم و بيانه منوجهينالأول: أنه عليه السلام بين أنهتعالى لو أراد إغواءهم لما بقي في النصحفائدة فلو لم يكن فيه فائدة لما أمره بأنينصح الكفار، و أجمع المسلمون على أنهعليه السلام مأمور بدعوة الكفار ونصيحتهم، فعلمنا أن هذا النصح غير خال عنالفائدة، و إذا لم يكن خاليا عن الفائدةوجب القطع بأنه تعالى ما أغواهم، فهذا صارحجة لنا من هذا الوجه. الثاني: أنه لو ثبتالحكم عليهم بأن اللَّه تعالى أغواهم لصارهذا عذرا لهم في عدم إتيانهم بالإيمان ولصار نوع منقطعا في مناظرتهم، لأنهميقولون له إنك سلمت أن اللَّه إذا أغوانافإنه لا يبقى في نصحك و لا في جدنا واجتهادنا فائدة، فإذا ادعيت بأن اللَّهتعالى قد أغوانا فقد جعلتنا معذورين فلميلزمنا قبول هذه الدعوة، فثبت أن الأمر لوكان كما قاله الخصم، لصار هذا حجة للكفارعلى نوح عليه السلام، و معلوم أن نوحا عليهالسلام لا يجوز أن يذكر كلاما يصير بسببهمفحما ملزما عاجزا عن تقرير حجة اللَّهتعالى، فثبت بما ذكرنا أن هذه الآية لا تدلعلى قول المجبرة، ثم إنهم ذكروا وجوها منالتأويلات: الأول:
أولئك الكفار كانوا مجبرة، و كانوايقولون إن كفرهم بإرادة اللَّه تعالى،فعند هذا قال نوح عليه السلام: إن نصحه لاينفعهم إن كان الأمر كما قالوا، و مثاله أنيعاقب الرجل و لده على ذنبه فيقول الولد:لا أقدر على غير ما أنا عليه، فيقول الوالدفلن ينفعك إذا نصحي و لا زجري، و ليسالمراد أنه يصدقه على ما ذكره بل على وجهالإنكار لذلك. الثاني: قال الحسن معنىيُغْوِيَكُمْ أي يعذبكم، و المعنى: لاينفعكم نصحي اليوم إذا نزل بكم العذابفآمنتم في ذلك الوقت، لأن الإيمان عندنزول العذاب لا يقبل، و إنما ينفعكم نصحيإذا آمنتم قبل مشاهدة العذاب. الثالث: قالالجبائي: الغواية هي الخيبة من الطلببدليل قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَغَيًّا [مريم: 59] أي خيبة من خير الآخرة قالالشاعر:
و من يغو لا يعدم على الغي لائما
الرابع: أنه إذا أصر على الكفر و تمادى فيهمنعه اللَّه تعالى الألطاف و فوضه إلىنفسه، فهذا شبيه ما إذا أراد إغواءه فلهذاالسبب حسن أن يقال إن اللَّه تعالى أغواههذا جملة كلمات المعتزلة في هذا الباب. والجواب عن أمثال هذه الكلمات قد ذكرناهمرارا و أطوارا فلا فائدة في الإعادة.
المسألة الثانية: قوله: وَ لايَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْأَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُيُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ جزاء معلق علىشرط بعده شرط آخر
و هذا يقتضي أن يكون الشرط المؤخر فياللفظ مقدما في الوجود و ذلك لأن الرجل إذاقال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار، كانالمفهوم كون ذلك الطلاق من لوازم ذلكالدخول، فإذا ذكر بعده شرطا آخر مثل أنيقول: إن أكلت الخبز كان المعنى أن تعلقذلك الجزاء بذلك الشرط الأول مشروط بحصولهذا الشرط الثاني و الشرط مقدم علىالمشروط في الوجود فعلى هذا إن حصل الشرطالثاني تعلق ذلك الجزاء بذلك الشرط الأولإما إن لم يوجد الشرط المذكور ثانيا لميتعلق ذلك الجزاء بذلك الشرط الأول،