من مراتب سعاداتهم ودرجات كمالاتهم قوله سبحانه و تعالى:دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّو فيه مسائل:
المسألة الأولى: في دَعْواهُمْ وجوه:
الأول: أن الدعوى ههنا بمعنى الدعاء،يقال: دعا يدعو دعاء و دعوى، كما يقال: شكىيشكو شكاية و شكوى. قال بعض المفسرين:دَعْواهُمْ أي دعاؤهم. و قال تعالى في أهلالجنة: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَ لَهُمْما يَدَّعُونَ [يس: 57] و قال في آية أخرىيَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍآمِنِينَ [الدخان: 55] و مما يقوى أن المرادمن الدعوى ههنا الدعاء هو أنهم قالوا:اللهم و هذا نداء للَّه سبحانه و تعالى، ومعنى قولهم: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ إنانسبحك، كقول القانت في دعاء القنوت:«اللهم إياك نعبد» الثاني: أن يرادبالدعاء العبادة، و نظيره قوله تعالى: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْدُونِ اللَّهِ [مريم: 48] أي و ما تعبدونفيكون معنى الآية أنه لا عبادة لأهل الجنةإلا أن يسبحوا اللَّه و يحمدوه، و يكوناشتغالهم بذلك الذكر لا على سبيل التكليف،بل على سبيل الابتهاج بذكر اللَّه تعالى.الثالث: قال بعضهم: لا يبعد أن يكون المرادمن الدعوى نفس الدعوى التي تكون للخصم علىالخصم و المعنى: أن أهل الجنة يدعون فيالدنيا و في الآخرة تنزيه اللَّه تعالى عنكل المعايب و الإقرار له بالإلهية. قالالقفال: أصل ذلك أيضا من الدعاء، لأن الخصميدعو خصمه إلى من يحكم بينهما. الرابع: قالمسلم: دَعْواهُمْ أي قولهم و إقرارهم ونداؤهم، و ذلك هو قولهم: سُبْحانَكَاللَّهُمَّ الخامس: قال القاضي: المراد منقوله: دَعْواهُمْ أي طريقتهم في تمجيداللَّه تعالى و تقديسه و شأنهم و سنتهم. والدليل على أن المراد ذلك أن قوله:سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ ليس بدعاء و لايدعوى، إلا أن المدعي للشيء يكون مواظباعلى ذكره، لا جرم جعل لفظ الدعوى كناية عنتلك المواظبة و الملازمة فأهل الجنة لماكانوا مواظبين على هذا الذكر، لا جرم أطلقلفظ الدعوى عليها.السادس: قال القفال: قيل في قوله: لَهُمْما يَدَّعُونَ [يس: 57] أي ما يتمنونه، والعرب تقول: ادع ما شئت علي، أي تمن. و قالابن جريج: أخبرت أن قوله: دَعْواهُمْ فِيهاسُبْحانَكَ اللَّهُمَّ هو أنه إذا مر بهمطير يشتهونه قالوا سُبْحانَكَ اللَّهُمَّفيأتيهم الملك بذلك المشتهى، فقد خرجتأويل الآية من هذا الوجه، على أنهم إذااشتهوا الشيء قالوا سبحانك اللهم، فكانالمراد من دعواهم ما حصل في قلوبهم منالتمني، و في هذا التفسير وجه آخر هو أفضلو أشرف مما تقدم، و هو أن يكون المعنى أنتمنيهم في الجنة أن يسبحوا اللَّه تعالى،أي تمنيهم لما يتمنونه، ليس إلا في تسبيحاللَّه تعالى و تقديسه و تنزيهه. السابع:قال القفال أيضا: و يحتمل أن يكون المعنىفي الدعوى ما كانوا يتداعونه في الدنيا فيأوقات حروبهم ممن يسكنون إليه ويستنصرونه، كقولهم: يا آل فلان، فأخبراللَّه تعالى أن أنسهم في الجنة بذكرهماللَّه تعالى، و سكونهم بتحميدهم اللَّه ولذتهم بتمجيدهم اللَّه تعالى.
المسألة الثانية: أن قوله: سُبْحانَكَاللَّهُمَّ فيه وجهان:
الوجه الأول: قول من يقول: إن أهل الجنةجعلوا هذا الذكر علامة على طلب المشتهياتقال ابن جريج: إذا مر بهم طيرا اشتهوهقالوا سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ فيؤتون به،فإذا نالوا منه شهوتهم قالوا: الْحَمْدُلِلَّهِ رَبِ