المسألة الأولى: قرأ حمزة و الكسائي وعاصم لِيُضِلُّوا بضم الياء
و قرأ الباقون بفتح الياء.المسألة الثانية: احتج أصحابنا بهذهالآية على أنه تعالى يضل الناس و يريدإضلالهم
و تقريره من و جهين:الأول: أن اللام في قوله: لِيُضِلُّوا لامالتعليل، و المعنى: أن موسى قال يا ربالعزة إنك أعطيتهم هذه الزينة و الأمواللأجل أن يضلوا، فدل هذا على أنه تعالى قديريد إضلال المكلفين. الثاني: أنه قال: وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فقال اللَّهتعالى: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما و ذلكأيضا يدل على المقصود. قال القاضي: لا يجوزأن يكون المراد من هذه الآية ما ذكرتم ويدل عليه وجوه: الأول: أنه ثبت أنه تعالىمنزه عن فعل القبيح و إرادة الكفر قبيحة. والثاني: أنه لو أراد ذلك لكان الكفارمطيعين للَّه تعالى بسبب كفرهم، لأنه لامعنى للطاعة إلا الإتيان بما يوافقالإرادة و لو كانوا كذلك لما استحقواالدعاء عليهم بطمس الأموال و شد القلوب، والثالث: أنا لو جوزنا أن يريد إضلالالعباد، لجوزنا أن يبعث الأنبياء عليهمالسلام للدعاء إلى الضلال، و لجاز أن يقويالكذابين الضالين المضلين بإظهارالمعجزات عليهم، و فيه هدم الدين و إبطالالثقة بالقرآنو الرابع: أنه لا يجوز أنيقول لموسى و هارون عليهما السلام:فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُيَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: 44] و أنيقول:وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَبِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِلَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف: 130]ثم إنه تعالى أراد الضلالة منهم و أعطاهمالنعم لكي يضلوا، لأن ذلك كالمناقضة، فلابد من حمل أحدهما على موافقة الآخر.الخامس: أنه لا يجوز أن يقال: إن موسى عليهالسلام دعا ربه بأن يطمس على أموالهم لأجلأن لا يؤمنوا مع تشدده في إرادة الإيمان.و اعلم أنا بالغنا في تكثير هذه الوجوه فيمواضع كثيرة من هذا الكتاب.و إذا ثبت هذا فنقول: وجب تأويل هذه الكلمةو ذلك من وجوه: الأول: أن اللام في قولهلِيُضِلُّوا لام العاقبة كقوله تعالى:فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَلَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً [القصص: 8] ولما كانت عاقبة قوم فرعون هو الضلال، و قدأعلمه اللَّه تعالى، لا جرم عبر عن هذاالمعنى بهذا اللفظ. الثاني: أن قوله:رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ أيلئلا يضلوا عن سبيلك، فحذف لا لدلالةالمعقول عليه كقوله: يُبَيِّنُ اللَّهُلَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء:176] و المراد أن لا تضلوا، و كقوله تعالى:قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوايَوْمَ الْقِيامَةِ [الأعراف: 172] و المرادلئلا تقولوا، و مثل هذا الحذف كثير فيالكلام. الثالث: أن يكون موسى عليه السلامذكر ذلك على سبيل التعجب المقرون بالإنكارو التقدير كأنك آتيتهم ذلك الغرض فإنهم لاينفقون هذه الأموال إلا فيه و كأنه قال:آتيتهم زينة و أموالا لأجل أن يضلوا عنسبيل اللَّه ثم حذف حرف الاستفهام كما فيقول الشاعر:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط
غلس الظلام منالرباب خيالا
غلس الظلام منالرباب خيالا
غلس الظلام منالرباب خيالا