المسألة الثانية: المقصود من هذه الآية،بيان أن الإنسان قليل الصبر عند نزولالبلاء،
قليل الشكر عند وجدان النعماء و الآلاء،فإذا مسه الضر أقبل على التضرع و الدعاءمضطجعا أو قائما أو قاعدا مجتهدا في ذلكالدعاء طالبا من اللَّه تعالى إزالة تلكالمحنة، و تبديلها بالنعمة و المحنة، فإذاكشف تعالى عنه ذلك بالعافية أعرض عنالشكر، و لم يتذكر ذلك الضر و لم يعرف قدرالإنعام، و صار بمنزلة من لم يدع اللَّهتعالى لكشف ضره، و ذلك يدل على ضعف طبيعةالإنسان و شدة استيلاء الغفلة و الشهوةعليه، و إنما ذكر اللَّه تعالى ذلك تنبيهاعلى أن هذه الطريقة مذمومة، بل الواجب علىالإنسان العاقل أن يكون صابرا عند نزولالبلاء شاكرا عند الفوز بالنعماء، و منشأنه أن يكون كثير الدعاء و التضرع فيأوقات الراحة و الرفاهية حتى يكون مجابالدعوة في وقت المحنة، عن رسول اللَّهصلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من سره أنيستجاب له عند الكرب و الشدائد فليكثرالدعاء عند الرخاء».و اعلم أن المؤمن إذا ابتلي ببلية و محنة،وجب عليه رعاية أمور: فأولها: أن يكونراضيا بقضاء اللَّه تعالى غير معترضبالقلب و اللسان عليه. و إنما وجب عليه ذلكلأنه تعالى مالك على الإطلاق و ملكبالاستحقاق فله أن يفعل في ملكه و ملكه ماشاء كما يشاء، و لأنه تعالى حكيم علىالإطلاق و هو منزه عن فعل الباطل و العبث،فكل ما فعله فهو حكمة و صواب، و إذا كانكذلك فحينئذ يعلم أنه تعالى إن أبقى عليهتلك المحنة فهو عدل، و إن أزالها عنه فهوفضل، و حينئذ يجب عليه الصبر و السكوت وترك القلق و الاضطراب. و ثانيها: أنه في ذلكالوقت إن اشتغل بذكر اللَّه تعالى والثناء عليه بدلا عن الدعاء كان أفضل،لقوله عليه السلام حكاية عن رب العزة «منشغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطيالسائلين» و لأن الاشتغال بالذكر اشتغالبالحق، و الاشتغال بالدعاء اشتغال بطلب حظالنفس، و لا شك أن الأول أفضل، ثم إن اشتغلبالدعاء وجب أن يشترط فيه أن يكون إزالتهصلاحا في الدين، و بالجملة فإنه يجب أنيكون الدين راجحا عنده على الدنيا. وثالثها: أنه سبحانه إذا أزال عنه تلكالبلية فإنه يجب عليه أن يبالغ في الشكر وأن لا يخلو عن ذلك الشكر في السراء والضراء، و أحوال الشدة و الرخاء، فهذا هوالطريق الصحيح عند نزول البلاء. و ههنامقام آخر أعلى و أفضل مما ذكرناه، و هو أنأهل التحقيق قالوا: إن من كان في وقت وجدانالنعمة مشغولا بالنعمة لا بالمنعم كان عندالبلية مشغولا بالبلاء لا بالمبلي، و مثلهذا الشخص يكون أبدا في البلاء، أما في وقتالبلاء فلا شك أنه يكون في البلاء، و أمافي وقت حصول النعماء فإن خوفه من زوالهايكون أشد أنواع البلاء، فإن النعمة كلماكانت أكمل و ألذ و أقوى و أفضل، كان خوفزوالها أشد إيذاء و أقوى إيحاشا، فثبت أنمن كان مشغولا بالنعمة كان أبدا في لجةالبلية أما من كان في وقت النعمة مشغولابالمنعم، لزم أن يكون في وقت البلاءمشغولا بالمبلي.و إذا كان المنعم و المبلي واحدا، كاننظره أبدا على مطلوب واحد، و كان مطلوبهمنزها عن التغير مقدسا عن