[سورة يونس (10): الآيات 55 الى 56] - مفاتیح الشرائع جلد 17
لطفا منتظر باشید ...
ثم إنه تعالى أكد ذلك بقوله: وَ ماأَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ و لا بد فيه منتقدير محذوف، فيكون المراد و ما أنتمبمعجزين لمن و عدكم بالعذاب أن ينزلهعليكم و الغرض منه التنبيه على أن أحدا لايجوز أن يمانع ربه و يدافعه عما أراد وقضى، ثم إنه تعالى بين أن هذا الجنس منالكلمات، إنما يجوز عليهم ما داموا فيالدنيا فأما إذا حضروا محفل القيامة وعاينوا قهر اللَّه تعالى، و آثار عظمتهتركوا ذلك و اشتغلوا بأشياء أخرى، ثم إنهتعالى حكى عنهم ثلاثة أشياء: أولها: قوله:وَ لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مافِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ إلا أنذلك متعذر لأنه في محفل القيامة لا يملكشيئا كما قال تعالى: وَ كُلُّهُمْ آتِيهِيَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً [مريم: 95] وبتقدير: أن يملك خزائن الأرض لا ينفعهالفداء لقوله تعالى: وَ لا يُؤْخَذُمِنْها عَدْلٌ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ[البقرة: 48] و قال في صفة هذا اليوم لابَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ وَ لاشَفاعَةٌ [البقرة: 254] و ثانيها: قوله: وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُاالْعَذابَ.و اعلم أن قوله: وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَجاء على لفظ الماضي، و القيامة من الأمورالمستقبلة إلا أنها لما كانت و اجبةالوقوع، جعل اللَّه مستقبلها كالماضي، واعلم أن الإسرار هو الإخفاء و الإظهار و هومن الأضداد، أما ورود هذه اللفظة بمعنىالإخفاء فظاهر و أما ورودها بمعنى الإظهارفهو من قولهم سر الشيء و أسره إذا أظهره.إذا عرفت هذا فنقول: من الناس من قال:المراد منه إخفاء تلك الندامة، و السبب فيهذا الإخفاء وجوه:الأول: أنهم لما رأوا العذاب الشديد صاروامبهوتين متحيرين، فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا سوى إسرار الندم كالحال فيمنيذهب به ليصلب فإنه يبقى مبهوتا متحيرا لاينطق بكلمة. الثاني: أنهم أسروا الندامة منسفلتهم و أتباعهم حياء منهم و خوفا منتوبيخهم.فإن قيل: إن مهابة ذلك الموقف تمنعالإنسان عن هذا التدبير فكيف قدموا عليه.قلنا: إن هذا الكتمان إنما يحصل قبلالاحتراق بالنار، فإذا احترقوا تركوا هذاالإخفاء و أظهروه بدليل قوله تعالى:قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْناشِقْوَتُنا [المؤمنون: 106] الثالث: أنهمأسروا تلك الندامة لأنهم اخلصوا للَّه فيتلك الندامة، و من أخلص في الدعاء أسره، وفيه تهكم بهم و بإخلاصهم يعني أنهم لماأتوا بهذا الإخلاص في غير وقته و لمينفعهم، بل كان من الواجب عليهم أن يأتوابه في دار الدنيا وقت التكليف، و أما منفسر الإسرار بالإظهار فقوله: ظاهر لأنهمإنما أخفوا الندامة على الكفر و الفسق فيالدنيا لأجل حفظ الرياسة، و في القيامةبطل هذا الغرض فوجب الإظهار. و ثالثها:قوله تعالى: وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْبِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ فقيلبين المؤمنين و الكافرين، و قيل بينالرؤساء و الأتباع، و قيل بين الكفاربإنزال العقوبة عليهم.و اعلم أن الكفار و إن اشتركوا في العذابفإنه لا بد و أن يقضي اللَّه تعالى بينهملأنه لا يمتنع أن يكون قد ظلم بعضهم بعضافي الدنيا و خانه، فيكون في ذلك القضاءتخفيف من عذاب بعضهم، و تثقيل لعذابالباقين، لأن العدل يقتضي أن ينتصفللمظلومين من الظالمين، و لا سبيل إليهإلا بأن يخفف من عذاب المظلومين و يثقل فيعذاب الظالمين.[سورة يونس (10): الآيات 55 الى 56]
أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِوَ الْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِحَقٌّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لايَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)