قرأ حمزة و الكسائي تتلوابتاءين،و قرأ عاصم نبلوا كل نفس بالنون و نصب كل والباقون تَبْلُوا بالتاء و الباء. أماقراءة حمزة و الكسائي فلها وجهان: الأول:أن يكون معنى قوله: تتلوا أي تتبع ماأسلفت، لأن عمله هو الذي يهديه إلى طريقالجنة و إلى طريق النار. الثاني: أن يكونالمعنى: أن كل نفس تقرأ ما في صحيفتها منخير أو شر و منه قوله تعالى: اقْرَأْكِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَعَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء: 14] و قال:فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ[الإسراء: 71] و أما قراءة عاصم فمعناها: أناللَّه تعالى يقول في ذلك الوقت نختبر كلنفس بسبب اختبار ما أسلفت من العمل، والمعنى: أنا نعرف حالها بمعرفة حال عملها،إن كان حسنا فهي سعيدة، و إن كان قبيحا فهيشقية، و المعنى نفعل بها فعل المختبر،كقوله تعالى:لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُعَمَلًا [الملك: 2] و أما القراءة المشهورةفمعناها: أن كل نفس نختبر أعمالها في ذلكالوقت.
البحث الثاني:
الابتلاء عبارة عنالاختبارقال تعالى: وَ بَلَوْناهُمْبِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ [الأعراف:168] و يقال: البلاء ثم الابتلاء أيالاختبار ينبغي أن يكون قبل الابتلاء.و لقائل أن يقول: إن في ذلك الوقت تنكشفنتائج الأعمال و تظهر آثار الأفعال، فكيفيجوز تسمية حدوث العلم بالابتلاء؟ وجوابه: أن الابتلاء سبب لحدوث العلم، وإطلاق اسم السبب على المسبب مجاز مشهور.و أما قوله: وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِمَوْلاهُمُ الْحَقِفاعلم أن الرد عبارة عن صرف الشيء إلىالموضع الذي جاء منه، و ههنا فيه احتمالات:الأول: أن يكون المراد من قوله: وَ رُدُّواإِلَى اللَّهِ أي و ردوا إلى حيث لا حكمإلا للَّه على ما تقدم من نظائره. و الثاني:أن يكون المراد وَ رُدُّوا إلى ما يظهر لهممن اللَّه من ثواب و عقاب، منبها بذلك علىأن حكم اللَّه بالثواب و العقاب لا يتغير.الثالث: أن يكون المراد من قوله: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ أي جعلوا ملجئينإلى الإقرار بإلهيته، بعد أن كانوا فيالدنيا يعبدون غير اللَّه تعالى، و لذلكقال: مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أعني أعرضوا عنالمولى الباطل و رجعوا إلى المولى الحق.و أما قوله: مَوْلاهُمُ الْحَقِّ فقد مرتفسيره في سورة الأنعام.و أما قوله: وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوايَفْتَرُونَفالمراد أنهم كانوا يدعون فيما يعبدونهأنهم شفعاء و أن عبادتهم مقربة إلى اللَّهتعالى، فنبه تعالى على أن ذلك يزول فيالآخرة، و يعلمون أن ذلك باطل و افتراء واختلاق.