وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَرَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْبِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ (47)اعلم أنه تعالى لما بين حال محمد صلّىالله عليه وسلّم مع قومه، بين أن حال كلالأنبياء مع أقوامهم كذلك،و في الآية مسائل:
المسألة الأولى: هذه الآية تدل على أن كلجماعة ممن تقدم قد بعث اللَّه إليهم رسولاو اللَّه تعالى ما أهمل أمة من الأمم قط،
و يتأكد هذا بقوله تعالى: وَ إِنْ مِنْأُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر:24].فإن قيل: كيف يصح هذا مع ما يعلمه من أحوالالفترة و مع قوله سبحانه: لِتُنْذِرَقَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ [يس: 6].قلنا: الدليل الذي ذكرناه لا يوجب أن يكونالرسول حاضرا مع القوم، لأن تقدم الرسوللا يمنع من كونه رسولا إليهم، كما لا يمنعتقدم رسولنا من كونه مبعوثا إلينا إلى آخرالأبد و تحمل الفترة على ضعف دعوةالأنبياء و وقوع موجبات التخليط فيها.
المسألة الثانية: في الكلام إضمار
و التقدير: فإذا جاء رسولهم و بلغ فكذبهقوم و صدقه آخرون قضى بينهم أي حكم و فصل.
المسألة الثالثة: المراد من الآية أحدأمرين:
إما بيان أن الرسول إذا بعث إلى كل أمةفإنه بالتبليغ و إقامة الحجة يزيح كل علةفلا يبقى لهم عذر في مخالفته أو تكذيبه،فيدل ذلك على أن ما يجري عليهم من العذابفي الآخرة يكون عدلا و لا يكون ظلما، لأنهممن قبل أنفسهم و قعوا في ذلك العقاب، أويكون المراد أن القوم إذا اجتمعوا فيالآخرة جمع اللَّه بينهم و بين رسولهم فيوقت المحاسبة، و بأن الفصل بين المطيع والعاصي ليشهد عليهم بما شاهد منهم، و ليقعمنهم الاعتراف بأنه بلغ رسالات ربه فيكونذلك من جملة ما يؤكد اللَّه به الزجر فيالدنيا كالمساءلة، و إنطاق الجوارح، والشهادة عليهم بأعمالهم و الموازين وغيرها، و تمام التقرير على هذا الوجهالثانى أنه تعالى ذكر في الآية الأولى أناللَّه شهيد عليهم، فكأنه تعالى يقول: أناشهيد عليهم و على أعمالهم يوم القيامة، ومع ذلك فإني أحضر في موقف القيامة مع كلقوم رسولهم، حتى يشهد عليهم بتلك الأعمالو المراد منه المبالغة في إظهار العدل.و اعلم أن دليل القول الأول هو قوله تعالى:وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىنَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15] و قوله:رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَلِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَىاللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[النساء: 165] و قوله: وَ لَوْ أَنَّاأَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِلَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَإِلَيْنا رَسُولًا [طه: 134] و دليل القولالثاني قوله تعالى:وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةًوَسَطاً إلى قوله: وَ يَكُونَ الرَّسُولُعَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة: 143] و قوله:وَ قالَ