أحدها: أن هذا الكتاب فصل كما تفصلالدلائل بالفوائد الروحانية، و هي دلائلالتوحيد و النبوة و الأحكام و المواعظ والقصص. و الثاني: أنها جعلت فصولا سورةسورة، و آية آية. الثالث: فُصِّلَتْ بمعنىأنها فرقت في التنزيل و ما نزلت جملة واحدة، و نظيره قوله تعالى:فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَوَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ [الأعراف:133] و المعنى مجيء هذه الآيات متفرقةمتعاقبة. الرابع: فصل ما يحتاج إليه العبادأي جعلت مبينة ملخصة. الخامس: جعلت فصولاحلالا و حراما، و أمثالا و ترغيبا، وترهيبا و مواعظ، و أمرا و نهيا لكل معنىفيها فصل، قد أفرد به غير مختلط بغيره حتىتستكمل فوائد كل و احد منها، و يحصل الوقوفعلى كل باب و احد منها على الوجه الأكمل.
المسألة الرابعة: معنى ثُمَّ في قوله:ثُمَّ فُصِّلَتْ ليس للتراخي في الوقت،
لكن في الحال كما تقول: هي محكمة أحسنالإحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل، و كماتقول: فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل.
المسألة الخامسة: قال صاحب «الكشاف»:قرىء أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّفُصِّلَتْ
أي أحكمتها أنا ثم فصلتها، و عن عكرمة والضحاك ثُمَّ فُصِّلَتْ أي فرقت بين الحقو الباطل.
المسألة السادسة: احتج الجبائي بهذهالآية على أن القرآن محدث مخلوق من ثلاثةأوجه:
الأول: قال المحكم: هو الذي أتقنه فاعله، ولو لا أن اللَّه تعالى يحدث هذا القرآن وإلا لم يصح ذلك لأن الإحكام لا يكون إلا فيالأفعال، و لا يجوز أن يقال: كان موجوداغير محكم ثم جعله اللَّه محكما، لأن هذايقتضي في بعضه الذي جعله محكما أن يكونمحدثا، و لم يقل أحد بأن القرآن بعضه قديمو بعضه محدث. الثاني: أن قوله:ثُمَّ فُصِّلَتْ يدل على أنه حصل فيهانفصال و افتراق، و يدل على أن ذلكالانفصال و الافتراق إنما حصل بجعل جاعل،و تكوين مكون، و ذلك أيضا يدل على المطلوب.الثالث: قوله: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍخَبِيرٍ و المراد من عنده، و القديم لايجوز أن يقال: إنه حصل من عند قديم آخر،لأنهما لو كانا قديمين لم يكن القول بأنأحدهما حصل من عند الآخر أولى من العكس.أجاب أصحابنا بأن هذه النعوت عائدة إلىهذه الحروف و الأصوات و نحن معترفون بأنهامحدثة مخلوقة، و إنما الذي ندعي قدمه أمرآخر سوى هذه الحروف و الأصوات.