و هو أن تجري الآية علىظاهرها في العموم،و نقول: إنه يندرج فيه المؤمن الذي يأتيبالطاعات على سبيل الرياء و السمعة، ويندرج فيه الكافر الذي هذا صفته، و هذاالقول مشكل، لأن قوله:أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِيالْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ لا يليقالمؤمن إلا إذا قلنا المراد أولئك الذينليس في الآخرة إلا النار بسبب هذه الأعمالالفاسدة و الأفعال الباطلة المقرونةبالرياء، ثم القائلون بهذا القول ذكرواأخبارا كثيرة في هذا الباب. روي أن الرسولعليه السلام قال: «تعوذوا باللَّه من جبالحزن قيل و ما جب الحزن؟ قال عليه الصلاةو السلام: «و اد في جهنم يلقى فيه القراءالمراؤون» و قال عليه الصلاة و السلام:«أشد الناس عذابا يوم القيامة من يرىالناس أن فيه خيرا و لا خير فيه» و عن أبيهريرة رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلّىالله عليه وسلّم أنه قال:«إذا كان يوم القيامة يدعى برجل جمعالقرآن، فيقال له ما عملت فيه؟ فيقول يا ربقمت به آناء الليل و النهار فيقول اللَّهتعالى كذبت بل أردت أن يقال: فلان قارىء،و قد قيل ذلك، و يؤت بصاحب المال فيقولاللَّه له أ لم أوسع عليك فماذا عملت فيماآتيتك فيقول: و صلت الرحم و تصدقت، فيقولاللَّه تعالى كذبت بل أردت أن يقال فلانجواد، و قد قيل ذلك و يؤتى بمن قتل في سبيلاللَّه فيقول قاتلت في الجهاد حتى قتلتفيقول اللَّه تعالى كذبت بل أردت أن يقالفلان جريء و قد قيل ذلك» قال أبو هريرةرضي اللَّه عنه ثم ضرب رسول اللَّه صلّىالله عليه وسلّم ركبتي و قال يا أبا هريرةأولئك الثلاثة أول خلق تسعر بهم النار يومالقيامة و روي أن أبا هريرة رضي اللَّه عنهذكر هذا الحديث عند معاوية قال الراويفبكى حتى ظننا أنه هالك ثم أفاق و قال صدقاللَّه و رسوله مَنْ كانَ يُرِيدُالْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَهانُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها.
المسألة الثانية: المراد من توفية أجورتلك الأعمال هو أن كل ما يستحقون بها منالثواب فإنه يصل إليهم حال كونهم في دارالدنيا،
فإذا خرجوا من الدنيا لم يبق معهم من تلكالأعمال أثر من آثار الخيرات، بل ليس لهممنها إلا النار.و اعلم أن العقل يدل عليه قطعا، و ذلك لأنمن أتى بالأعمال لأجل طلب الثناء فيالدنيا و لأجل الرياء، فذلك لأجل أنه غلبعلى قلبه حب الدنيا، و لم يحصل في قلبه حبالآخرة، إذ لو عرف حقيقة الآخرة و ما فيهامن السعادات لامتنع أن يأتي بالخيرات لأجلالدنيا و ينسى أمر الآخرة، فثبت أن الآتيبأعمال البر لأجل الدنيا لا بد و أن يكونعظيم الرغبة في الدنيا عديم الطلب للآخرةو من كان كذلك فإذا مات فإنه يفوته جميعمنافع الدنيا و يبقى عاجزا عن وجدانها غيرقادر على تحصيلها، و من أحب شيئا ثم حيلبينه و بين المطلوب فإنه لا بد و أن تشتعلفي قلبه نيران الحسرات فثبت بهذا البرهانالعقلي، أن كل من أتى بعمل من الأعمال لطلبالأحوال الدنيوية فإنه يجد تلك المنفعةالدنيوية اللائقة بذلك العمل، ثم إذا ماتفإنه لا يحصل له منه إلا النار و يصير