المسألة الثالثة: اختلف الناس في الوجهالذي لأجله كان القرآن معجزا،
فقال بعضهم: هو الفصاحة، و قال بعضهم: هوالأسلوب، و قال ثالث: هو عدم التناقض، وقال رابع: هو اشتماله على العلوم الكثيرة،و قال خامس: هو الصرف، و قال سادس: هواشتماله على الإخبار عن الغيوب، و المختارعندي و عند الأكثرين أنه معجز بسببالفصاحة، و احتجوا على صحة قولهم بهذهالآية لأنه لو كان وجه الإعجاز هو كثرةالعلوم أو الأخبار عن الغيوب أو عدمالتناقض لم يكن لقوله: مُفْتَرَياتٍ معنىأما إذا كان وجه الإعجاز هو الفصاحة صح ذلكلأن فصاحة الفصيح تظهر بالكلام، سواء كانالكلام صدقا أو كذبا، و أيضا لو كان الوجهفي كونه معجزا هو الصرف لكان دلالة الكلامالركيك النازل في الفصاحة على هذا المطلوبأوكد من دلالة الكلام العالي في الفصاحةثم إنه تعالى لما قرر وجه التحدي قال: وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِاللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ والمراد إن كنتم صادقين في ادعاء كونهمفترى كما قال: أَمْ يَقُولُونَافْتَراهُ.و اعلم أن هذا الكلام يدل على أنه لا بد فيإثبات الدين من تقرير الدلائل و البراهين،و ذلك لأنه تعالى أورد في إثبات نبوة محمدعليه السلام هذا الدليل و هذه الحجة، و لولا أن الدين لا يتم إلا بالدليل لم يكن فيذكره فائدة.
[سورة هود (11): آية 14]
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْفَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِاللَّهِ وَ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَفَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)اعلم أن الآية المتقدمة اشتملت علىخطابين: أحدهما: خطاب الرسول، و هو قوله:قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِمُفْتَرَياتٍ و الثاني: خطاب الكفار و هوقوله: وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْدُونِ اللَّهِ [هود: 13] فلما أتبعه بقوله:فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ احتمل أنيكون المراد أن الكفار لم يستجيبوا فيالمعارضة لتعذرها عليهم، و احتمل أن منيدعونه من دون اللَّه لم يستجيبوا، فلهذاالسبب اختلف المفسرون على قولين: فبعضهمقال: هذا خطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّمو للمؤمنين، و المراد أن الكفار إن لميستجيبوا لكم في الإتيان بالمعارضة،فاعلموا أنما أنزل بعلم اللَّه. و المعنى:فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقينا و ثبات قدم على أنه منزل