المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما حكىشبهات منكري نبوة نوح عليه الصلاة والسلام حكى بعده ما يكون جوابا عن تلكالشبهات.
فالشبهة الأولى: قولهم: ما نَراكَ إِلَّابَشَراً مِثْلَنا فقال نوح حصول المساواةفي البشرية لا يمنع من حصول المفارقة فيصفة النبوة و الرسالة، ثم ذكر الطريقالدال على إمكانه، فقال: أَ رَأَيْتُمْإِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّيمن معرفة ذات اللَّه و صفاته و ما يجب و مايمتنع و ما يجوز عليه، ثم إنه تعالى أتانيرحمة من عنده، و المراد بتلك الرحمة إماالنبوة و إما المعجزة الدالة على النبوةفَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أي صارت مظنةمشتبهة ملتبسة في عقولكم، فهل أقدر على أنأجعلكم بحيث تصلون إلى معرفتها شئتم أمأبيتم؟ و المراد أني لا أقدر على ذلكألبتة، و عن قتادة: و اللَّه لو استطاع نبياللَّه لألزمها و لكنه لم يقدر عليه، وحاصل الكلام أنهم لما قالوا: وَ ما نَرىلَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ [هود: 27] ذكرنوح عليه السلام أن ذلك بسبب أن الحجة عميتعليكم و اشتبهت، فأما لو تركتم العناد واللجاج و نظرتم في الدليل لظهر المقصود، وتبين أن اللَّه تعالى آتانا عليكم فضلاعظيما.
المسألة الثانية: قرأ حمزة و الكسائي وحفص عن عاصم فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ بضمالعين و تشديد الميم على ما لم يسم فاعله،
بمعنى ألبست و شبهت و الباقون بفتح العينمخففة الميم، أي التبست و اشتبهت.و اعلم أن الشيء إذا بقي مجهولا محضاأشبه المعمي، لأن العلم نور البصيرةالباطنة و الأبصار نور البصر الظاهر فحسنجعل كل و احد منها مجازا عن الآخر و تحقيقهأن البينة توصف بالأبصار قال تعالى:فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً[النمل: 13] و كذلك توصف بالعمى، قال تعالى:فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ[القصص:66] و قال في هذه الآية: فَعُمِّيَتْعَلَيْكُمْ.
ضمير المتكلم و ضمير الغائب و ضميرالمخاطب، و أجاز الفراء إسكان الميمالأولى، و روي ذلك عن أبي عمرو قال: و ذلكأن الحركات توالت فسكنت الميم و هي أيضامرفوعة و قبلها كسرة و الحركة التي بعدهاضمة ثقيلة، قال الزجاج: جميع النحويينالبصريين لا يجيزون إسكان حرف الإعراب إلافي ضرورة الشعر و ما يروى عن أبي عمرو فلميضبطه عنه الفراء، و روي عن سيبويه أنه كانيخفف الحركة و يختلسها، و هذا هو الحق وإنما يجوز الإسكان في الشعر كقول امرىءالقيس:فاليوم أشرب غير مستحقب