المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى في الآيةالأولى، قسم الكفار إلى قسمين
منهم من يؤمن به و منهم من لا يؤمن به، و فيهذه الآية قسم من لا يؤمن به قسمين: منهم منيكون في غاية البغض له و العداوة له ونهاية النفرة عن قبول دينه، و منهم من لايكون كذلك، فوصف القسم الأول في هذه الآيةفقال: و منهم من يستمع كلامك مع أنه يكونكالأصم من حيث إنه لا ينتفع ألبتة بذلكالكلام فإن الإنسان إذا قوى بغضه لإنسانآخر، و عظمت نفرته عنه، صارت نفسه متوجهةإلى طلب مقابح كلامه معرضة عن جميع جهاتمحاسن كلامه، فالصمم في الأذن، معنى ينافيحصول إدراك الصوت فكذلك حصول هذا البغضالشديد كالمنافي للوقوف على محاسن ذلكالكلام و العمى في العين معنى ينافي حصولإدراك الصورة، فكذلك البغض ينافي و قوفالإنسان على محاسن من يعاديه و الوقوف علىما آتاه اللَّه تعالى من الفضائل، فبينتعالى أن في أولئك الكفار من بلغت حالته فيالبغض و العداوة إلى هذا الحد، ثم كما أنهلا يمكن جعل الأصم سميعا و لا جعل الأعمىبصيرا، فكذلك لا يمكن جعل العدو البالغ فيالعداوة إلى هذا الحد صديقا تابعا للرسولصلّى الله عليه وسلّم و المقصود من هذاالكلام تسلية الرسول عليه الصلاة و السلامبأن هذه الطائفة، قد بلغوا في مرض العقلإلى حيث لا يقبلون العلاج و الطبيب إذا رأىمريضا لا يقبل العلاج أعرض عنه، و لميستوحش من عدم قبوله للعلاج، فكذلك وجبعليك أن لا تستوحش من حال هؤلاء الكفار.
المسألة الثانية: احتج ابن قتيبة بهذهالآية، على أن السمع أفضل من البصر
فقال: إن اللَّه تعالى قرن بذهاب السمعذهاب العقل، و لم يقرن بذهاب النظر إلاذهاب البصر، فوجب أن يكون السمع أفضل منالبصر. و زيف ابن الأنباري هذا الدليلفقال: إن الذي نفاه اللَّه مع السمع بمنزلةالذي نفاه اللَّه مع البصر لأنه تعالىأراد إبصار القلوب، و لم يرد إبصار العيونو الذي يبصره القلب هو الذي يعقله. و احتجابن قتيبة على هذا المطلوب بحجة أخرى منالقرآن، فقال: كلما ذكر اللَّه السمع والبصر، فإنه في الأغلب يقدم السمع علىالبصر، و ذلك يدل على أن السمع أفضل منالبصرو من الناس من ذكر في هذا الباب دلائلأخرى:فأحدها: أن العمى قد وقع في حق الأنبياءعليهم السلام أما الصمم فغير جائز عليهملأنه يخل بأداء الرسالة، من حيث إنه إذالم يسمع كلام السائلين تعذر عليه الجوابفيعجز عن تبليغ شرائع اللَّه تعالى.
الحجة الثانية:
أن القوة السامعة تدركالمسموع من جميع الجوانب،و القوة الباصرة لا تدرك المرئي إلا منجهة و احدة و هي المقابل.