لأن المكر عبارة عن صرف الشيء عن وجههالظاهر بطريق الحيلة، و هؤلاء يحتالونلدفع آيات اللَّه بكل ما يقدرون عليه منإلقاء شبهة أو تخليط في مناظرة أو غير ذلكمن الأمور الفاسدة. قال مقاتل: المراد منهذا المكر هو أن هؤلاء لا يقولون هذا رزقاللَّه، بل يقولون سقينا بنوء كذا.أما قوله تعالى: قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُمَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ماتَمْكُرُونَ فالمعنى أن هؤلاء الكفار لماقابلوا نعمة اللَّه بالمكر، فاللَّهسبحانه و تعالى قابل مكرهم بمكر أشد منذلك، و هو من وجهين: الأول: ما أعد لهم يومالقيامة من العذاب الشديد، و في الدنيا منالفضيحة و الخزي و النكال. و الثاني: أن رسلاللَّه يكتبون مكرهم و يحفظونه، و تعرضعليهم ما في بواطنهم الخبيئة يوم القيامة،و يكون ذلك سببا للفضيحة التامة و الخزي والنكال نعوذ باللَّه تعالى منه.
المسألة الأولى: [في ذكر اللَّه تعالىلنقل الإنسان من الضر الشديد إلى الرحمةمثالا، و لمكر الإنسان مثالا]
اعلم أنه تعالى لما قال: وَ إِذاأَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌفِي آياتِنا [يونس: 21] كان هذا الكلام كلاماكليا لا ينكشف معناه تمام الانكشاف إلابذكر مثال كامل، فذكر اللَّه تعالى لنقلالإنسان من الضر الشديد إلى الرحمة مثالا،و لمكر الإنسان مثالا، حتى تكون هذه الآيةكالمفسرة للآية التي قبلها، و ذلك لأنالمعنى الكلي لا يصل إلى أفهام السامعينإلا بذكر مثال جلي واضح يكشف عن حقيقة ذلكالمعنى الكلي.و اعلم أن الإنسان إذا ركب السفينة و وجدالريح الطيبة الموافقة للمقصود، حصل لهالفرح التام و المسرة القوية، ثم قد تظهرعلامات الهلاك دفعة واحدة. فأولها: أنتجيئهم الرياح العاصفة الشديدة. و ثانيها:أن تأتيهم الأمواج العظيمة من كل جانب. وثالثها: أن يغلب على ظنونهم أن الهلاكواقع، و أن النجاة ليست متوقعة، و لا شك أنالانتقال من تلك الأحوال الطيبة الموافقةإلى هذه الأحوال القاهرة الشديدة يوجبالخوف العظيم، و الرعب الشديد، و أيضامشاهدة هذه الأحوال و الأهوال في البحرمختصة بإيجاب مزيد الرعب و الخوف ثم إنالإنسان في هذه الحالة لا يطمع إلا في فضلاللَّه و رحمته، و يصير منقطع الطمع عنجميع الخلق، و يصير بقلبه و روحه و جميعأجزائه متضرعا إلى اللَّه تعالى، ثم إذانجاه اللَّه تعالى من هذه البلية العظيمة،و نقله من هذه المضرة القوية إلى الخلاص والنجاة، ففي الحال ينسى تلك النعمة و يرجعإلى ما ألفه