المسألة الأولى: قرأ حمزة و الكسائي و حفصعن عاصم مجريها بفتح الميم
و الباقون بضم الميم و اتفقوا في مرساهاأنه بضم الميم، و قال صاحب «الكشاف»: قرأمجاهد مَجْراها وَ مُرْساها بلفظ اسمالفاعل مجروري المحل صفتين للَّه تعالى.قال الواحدي: المجرى مصدر كالإجراء، ومثله قوله: مُنْزَلًا مُبارَكاً[المؤمنون: 29] و أَدْخِلْنِي مُدْخَلَصِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ[الإسراء: 80] و أما من قرأ مَجْراها بفتحالميم، فهو أيضا مصدر، مثل الجري. و احتجصاحب هذه القراءة بقوله: وَ هِيَ تَجْرِيبِهِمْ [هود: 42] و لو كان مجراها لكان و هيتجريهم، و حجة من ضم الميم أن جرت بهم وأجرتهم يتقاربان في المعنى، فإذا قال:تَجْرِي بِهِمْ فكأنه قال: تجريهم، و أماالمرسي فهو أيضا مصدر كالإرساء. يقال: رساالشيء يرسو إذا ثبت و أرساه غيره، قالتعالى: وَ الْجِبالَ أَرْساها [النازعات:32] قال ابن عباس: يريد تجري بسم اللَّه وقدرته، و ترسو بسم اللَّه و قدرته، و قيل:كان إذا أراد أن تجري بهم قال: بِسْمِاللَّهِ مَجْراها فتجري، و إذا أراد أنترسو قال: بسم اللَّه مرساها فترسو.
المسألة الثانية: ذكروا في عامل الإعرابفي بِسْمِ اللَّهِ وجوها:
الأول: اركبوا بسم اللَّه، و الثاني:ابدؤا بسم اللَّه، و الثالث: بسم اللَّهإجراؤها و إرساؤها، و قيل: إنها سارت لأوليوم من رجب، و قيل: لعشر مضين من رجب، فصارتستة أشهر، و استوت يوم العاشر من المحرمعلى الجودي.
المسألة الثالثة: في الآية احتمالان:
الاحتمال الأول:
أن يكون مجموع قوله: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِمَجْراها وَ مُرْساها كلاما و احدا، والتقدير: و قال اركبوا فيها بسم مجريها ومرساها، يعني ينبغي أن يكون الركوب مقرونابهذا الذكر.
و الاحتمال الثاني:
أن يكونا كلامين، والتقدير: أن نوحا عليه السلام أمرهمبالركوب، ثم أخبرهم بأن مجريها و مرساهاليس إلا بسم اللَّه و أمره و قدرته.
فالمعنى الأول:
يشير إلى أن الإنسان لاينبغي أن يشرع في أمر من الأمور إلا و يكونفي وقت الشروع فيه ذاكرا لاسم اللَّهتعالى بالأذكار المقدسة حتى يكون ببركةذلك الذكر سببا لتمام ذلك المقصود.
و المعنى الثاني:
يدل على أنه لما ركبالسفينة أخبر القوم بأن السفينة ليست سببالحصول النجاة بل الواجب ربط الهمة و تعليقالقلب بفضل اللَّه تعالى، و أخبرهم أنهتعالى هو المجري و المرسي للسفينة، فإياكمأن تعولوا على السفينة، بل يجب أن يكونتعويلكم على فضل اللَّه فإنه هو المجري والمرسي لها، فعلى التقدير الأول كان نوحعليه السلام وقت ركوب السفينة في مقامالذكر، و على التقدير الثاني كان في مقامالكفر و البراءة