المسألة الأولى: تقرير هذا الدليل أنهتعالى بين بالدليل كونه خالقا للأفلاك والأرضين،
و يدخل فيه أيضا كونه خالقا لكل ما في هذاالعالم من الجمادات و المعادن و النبات والحيوان و الإنسان، و قد ثبت في العقل أنكل من كان قادرا على شيء، و كانت قدرتهباقية ممتنعة الزوال، و كان عالما بجميعالمعلومات فإنه يمكنه إعادته بعينه، فدلهذا الدليل على أنه تعالى قادر على إعادةالإنسان بعد موته.
المسألة الثانية: اتفق المسلمون على أنهتعالى قادر على إعدام أجسام العالم،
و اختلفوا في أنه تعالى هل يغدمها أم لا؟فقال قوم إنه تعالى يعدمها، و احتجوا بهذهالآية و ذلك لأنه تعالى حكم على جميعالمخلوقات بأنه يعيدها، فوجب أن يعيدالأجسام أيضا، و إعادتها لا تمكن إلا بعدإعدامها، و إلا لزم إيجاد الموجود و هومحال و نظيره قوله تعالى: يَوْمَ نَطْوِيالسَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّلِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍنُعِيدُهُ [الأنبياء:104] فحكم بأن الإعادة تكون مثل الابتداء،ثم ثبت بالدليل أنه تعالى إنما يخلقها فيالابتداء من العدم، فوجب أن يقال إنهتعالى يعيدها أيضا من العدم.
المسألة الثالثة: في هذه الآية إضمار،
كأنه قيل: إنه يبدأ الخلق ليأمرهمبالعبادة، ثم يميتهم ثم يعيدهم، كما قالفي سورة البقرة: كَيْفَ تَكْفُرُونَبِاللَّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاًفَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّيُحْيِيكُمْ [البقرة: 28] إلا أنه تعالى حذفذكر الأمر بالعبادة ههنا، لأجل أنه تعالىقال قبل هذه الآية: ذلِكُمُ اللَّهُرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ [يونس:3] و حذف ذكر الإماتة لأن ذكر الإعادة يدلعليها.
المسألة الرابعة: قرأ بعضهم إِنَّهُيَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُبالكسر و بعضهم بالفتح.
قال الزجاج: من كسر الهمزة من «أن» فعلىالاستئناف، و في الفتح وجهان: الأول: أنيكون التقدير: إليه مرجعكم جميعا لأنهيبدأ الخلق ثم يعيده. والثاني: أن يكونالتقدير: وعد اللّه وعدا بدأ الخلق ثمإعادته، و قرىء يبدى من أبدأ و قرىء حقإنه يبدأ الخلق كقولك: حق إن زيدا منطلق.أما قوله تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَآمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِبِالْقِسْطِفاعلم أن المقصود منه إقامة الدلالة علىأنه لا بد من حصول الحشر و النشر، حتى يحصلالفرق بين المحسن و المسىء، و حتى يصلالثواب إلى المطيع و العقاب إلى العاصى، وقد سبق الاستقصاء في تقرير هذا الدليل،و فيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الكعبى: اللام فيقوله تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَآمَنُوا يدل على أنه تعالى خلق العبادللثواب و الرحمة.
و أيضا فإنه أدخل لام التعليل على الثواب.و أما العقاب فما أدخل فيه لام التعليل، بلقال:وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌمِنْ حَمِيمٍ و ذلك يدل على أنه خلق الخلقللرحمة لا للعذاب، و ذلك يدل على أنه ماأراد منهم الكفر، و ما خلق فيهم الكفرألبتة.و الجواب: أن لام التعليل في أفعال اللّهتعالى محال، لأنه تعالى لو فعل فعلًا لعلةلكانت تلك العلة، إن كانت قديمة لزم قدمالفعل، و إن كانت حادثة لزم التسلسل و هومحال.
المسألة الثانية: قال الكعبي أيضا: هذهالآية تدل على أنه لا يجوز من اللّه تعالىأن يبدأ خلقهم في الجنة،
لأنه لو حسن إيصال تلك النعم إليهم من غيرواسطة خلقهم في هذا العالم و من غير واسطةتكليفهم، لما كان خلقهم و تكليفهم معللابإيصال تلك النعم إليهم، و ظاهر الآية يدلعلى ذلك.