المسألة الثانية: قال أكثر المحققين: إنأهل الثواب لا يحصل لهم خوف في محفلالقيامة
و احتجوا على صحة قولهم بقوله تعالى: أَلاإِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌعَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ وبقوله تعالى: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُالْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُالْمَلائِكَةُ [الأنبياء: 103] و أيضافالقيامة دار الجزاء فلا يليق به إيصالالخوف و منهم من قال: بل يحصل فيه أنواع منالخوف، و ذكروا فيه أخبارا تدل عليه إلا أنظاهر القرآن أولى من خبر الواحد.و أما قوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوايَتَّقُونَففيه ثلاثة أوجه: الأول: النصب بكونه صفةللأولياء. و الثاني:النصب على المدح. و الثالث: الرفع علىالابتداء و خبره لهم البشرى.و أما قوله تعالى: لَهُمُ الْبُشْرى فِيالْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِففيه أقوال:
الأول:
المراد منه الرؤيا الصالحة،عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال:«البشرى هي الرؤيا الصالحة يراها المسلمأو ترى له» و عنه عليه الصلاة و السلام:«ذهبت النبوة و بقيت المبشرات» و عنه عليهالصلاة و السلام: «الرؤيا الصالحة مناللَّه، و الحلم من الشيطان، فإذا حلمأحدكم حلما يخافه فليتعوذ منه و ليبصق عنشماله ثلاث مرات فإنه لا يضره» و عنه صلّىالله عليه وسلّم:«الرؤيا الصالحة جزء من ستة و أربعين جزءامن النبوة» و عن ابن مسعود، و الرؤياثلاثة: الهم يهم به الرجل من النهار فيراهفي الليل، و حضور الشيطان، و الرؤيا التيهي الرؤيا الصادقة. و عن إبراهيم الرؤياثلاثة، فالمبشرة من اللَّه جزء من سبعينجزءا من النبوة و الشيء يهم به أحدكمبالنهار فلعله يراه بالليل و التخويف منالشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يحزنه فليقلأعوذ بما عاذت به ملائكة اللَّه من شررؤياي التي رأيتها أن تضرني في دنياي أو فيآخرتي.و اعلم أنا إذا حملنا قوله: لَهُمُالْبُشْرى على الرؤيا الصادقة فظاهر هذاالنص يقتضي أن لا تحصل هذه الحالة إلا لهمو العقل أيضا يدل عليه، و ذلك لأن و لياللَّه هو الذي يكون مستغرق القلب و الروحبذكر اللَّه، و من كان كذلك فهو عند النوملا يبقى في روحه إلا معرفة اللَّه، و منالمعلوم أن معرفة اللَّه و نور جلالاللَّه لا يفيده إلا الحق و الصدق، و أمامن يكون متوزع الفكر على أحوال هذا العالمالكدر المظلم، فإنه إذا نام يبقى كذلك،فلا جرم لا اعتماد على رؤياه، فلهذا السببقال: لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِالدُّنْيا على سبيل الحصر و التخصيص.
القول الثاني:
في تفسير البشرى، أنهاعبارة عن محبة الناس لهو عن ذكرهم إياه بالثناء الحسن عن أبي ذرقال؟ قلت: يا رسول اللَّه إن الرجل يعملالعمل للَّه و يحبه الناس فقال: «تلك عاجلبشرى المؤمن».و اعلم أن المباحث العقلية تقوي هذاالمعنى، و ذلك أن الكمال محبوب لذاته لالغيره، و كل من اتصف بصفة من صفات الكمال،صار محبوبا لكل أحد، و لا كمال للعبد أعلىو أشرف من كونه مستغرق القلب بمعرفةاللَّه، مستغرق اللسان بذكر اللَّه،مستغرق الجوارح و الأعضاء بعبوديةاللَّه، فإذا ظهر عليه أمر من هذا الباب،صارت الألسنة جارية بمدحه، و القلوبمجبولة على حبه، و كلما كانت هذه الصفاتالشريفة أكثر، كانت هذه المحبة أقوى، وأيضا فنور معرفة اللَّه مخدوم بالذات، ففيأي قلب حضر صار ذلك الإنسان مخدوما بالطبعألا