إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَالسَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِأَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَىالْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْشَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُأَ فَلا تَذَكَّرُونَ (3)[في قوله تعالى إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُالَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَفِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوىعَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ]اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار أنهمتعجبوا من الوحي و البعثة و الرسالة، ثمإنه تعالى أزال ذلك التعجب بأنه لا يبعدالبتة في أن يبعث خالق الخلق إليهم رسولايبشرهم على الأعمال الصالحة بالثواب، وعلى الأعمال الباطلة الفاسدة بالعقاب،كان هذا الجواب إنما يتم و يكمل بإثباتأمرين: أحدهما: إثبات أن لهذا العالم إلهاقاهرا قادرا نافذا الحكم بالأمر و النهي والتكليفو الثاني: إثبات الحشر و النشروالبعث و القيامة، حتى يحصل الثواب والعقاب اللذان أخبر الأنبياء عن حصولهما،فلا جرم أنه سبحانه ذكر في هذا الموضع مايدل على تحقيق هذين المطلوبين.أما الأول: و هو إثبات الالهية، فبقولهتعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِيخَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ.و أما الثاني: و هو إثبات المعاد و الحشر والنشر فبقوله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْجَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا [يونس:4] فثبت أن هذا الترتيب في غاية الحسن، ونهاية الكمال.و في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قد ذكرنا في هذا الكتاب،و في الكتب العقلية أن الدليل الدال علىوجود الصانع تعالى، إما الامكان و إماالحدوث
و كلاهما إما في الذوات و إما في الصفات،فيكون مجموع الطرق الدالة على وجود الصانعأربعة، و هي إمكان الذوات، و إمكانالصفات، و حدوث الذوات، و حدوث الصفات وهذه الأربعة معتبرة تارة في العالم العلويو هو عالم السموات و الكواكب، و تارة فيالعالم السفلي، و الأغلب من الدلائلالمذكورة في الكتب الإلهية التمسك بإمكانالصفات و حدوثها تارة في أحوال العالمالعلوي، و تارة في أحوال العالم السفلي، والمذكور في هذا الموضع هو التمسك بإمكانالأجرام العلوية في مقاديرها و صفاتها،و تقريره من وجوه:الأول: أن أجرام الأفلاك لا شك أنها مركبةمن الأجزاء التي لا تتجزى،و متى كان الأمر كذلك كانت لا محالةمحتاجة إلى الخالق و المقدر.أما بيان المقام الأول: فهو أن أجرامالأفلاك لا شك أنها قابلة للقسمة الوهمية،و قد دللنا في الكتب العقلية على أن كل ماكان قابلا للقسمة الوهمية، فإنه يكونمركبا من الأجزاء و الأبعاض و دللنا على أنالذي تقوله الفلاسفة من أن الجسم قابلللقسمة، و لكنه يكون في نفسه شيئا واحداكلام فاسد باطل فثبت بما ذكرنا أن أجرامالأفلاك مركبة من الأجزاء التي لا تتجزى،و إذا ثبت هذا وجب افتقارها إلى خالق ومقدر، و ذلك لأنها لما تركبت فقد وقع بعضتلك الأجزاء في داخل ذلك الجرم، و بعضهاحصلت على سطحها، و تلك الأجزاء متساوية فيالطبع و الماهية و الحقيقة، و الفلاسفةأقروا لنا بصحة هذه المقدمة حيث قالواإنها بسائط، و يمتنع كونها مركبة من أجزاءمختلفة الطبائع.و إذا ثبت هذا فنقول: حصول بعضها فيالداخل، و حصول بعضها في الخارج، أمر ممكنالحصول جائز الثبوت، يجوز أن ينقلب الظاهرباطنا، و الباطن ظاهرا و إذا كان الأمركذلك وجب افتقار هذه الأجزاء حال