المسألة الرابعة: احتج الجبائي على أنه لاتجوز الشفاعة عند اللَّه في دفع العقاب
بقول نوح عليه السلام مَنْ يَنْصُرُنِيمِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ معناه إنكان هذا الطرد محرما فمن ذا الذي ينصرني مناللَّه، أي من الذي يخلصني من عقابه و لوكانت الشفاعة جائزة لكانت في حق نوح عليهالسلام أيضا جائزة و حينئذ يبطل قوله:مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ و اعلم أنهذا الاستدلال يشبه استدلالهم في هذهالمسألة بقوله تعالى: وَ اتَّقُوا يَوْماًلا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاًإلى قوله: وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ [البقرة:48، 123] و الجواب المذكور هناك هو الجواب عنهذا الكلام.
المسألة الأولى: اعلم أن الكفار لماأوردوا تلك الشبهة.
و أجاب نوح عليه السلام عنها بالجواباتالموافقة الصحيحة أورد الكفار على نوحكلامين، الأول: أنهم و صفوه بكثرةالمجادلة فقالوا: يا نوح قد جادلتنافأكثرت جدالنا، و هذا يدل على أنه عليهالسلام كان قد أكثر في الجدال معهم، و ذلكالجدال ما كان إلا في إثبات التوحيد والنبوة و المعاد، و هذا يدل على أن الجدالفي تقرير الدلائل و في إزالة الشبهات حرفةالأنبياء، و على أن التقليد و الجهل والإصرار على الباطل حرفة الكفار.و الثاني: أنهم استعجلوا العذاب الذي كانيتوعدهم به، فقالوا: فَأْتِنا بِماتَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَثم إنه عليه السلام أجاب عنه بجواب صحيحفقال: إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُإِنْ شاءَ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ والمعنى أن إنزال العذاب ليس إلي و إنما هوخلق اللَّه تعالى فيفعله إن شاء كما شاء، وإذا أراد إنزال العذاب فإن أحدا لا يعجزه،أي لا يمنعه منه، و المعجز هو الذي يفعل ماعنده لتعذر مراد الغير فيوصف بأنه أعجزه،فقوله: وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أيلا سبيل لكم إلى فعل ما عنده، فلا يمتنععلى اللَّه تعالى ما يشاء من العذاب إنأراد إنزاله بكم، و قد قيل معناه: و ما أنتمبمانعين، و قيل: و ما أنتم بمصونين، و قيل:و ما أنتم بسابقين إلى الخلاص، و هذهالأقوال متقاربة.و اعلم أن نوحا عليه السلام لما أجاب عنشبهاتهم ختم الكلام بخاتمة قاطعة، فقال:وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْأَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ أي إن كاناللَّه يريد أن يغويكم فإنه لا ينفعكمنصحي ألبتة، و احتج أصحابنا بهذه الآيةعلى أن اللَّه تعالى قد يريد الكفر منالعبد، و أنه إذا أراد منه ذلك فإنه يمتنعصدور الإيمان منه،