أن عاقبة هذه الحياة الدنياالتي ينفقها المرء في باب الدنيا كعاقبةهذا النباتالذي حين عظم الرجاء في الانتفاع به وقعاليأس منه، لأن الغالب أن المتمسك بالدنياإذا وضع عليها قلبه و عظمت رغبته فيهايأتيه الموت و هو معنى قوله تعالى: حَتَّىإِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْبَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ[الأنعام:44] خاسرون الدنيا، و قد أنفقوا أعمارهمفيها، و خاسرون من الآخرة، مع أنهممتوجهون إليها.
و الوجه الثاني:
في التشبيهأنه تعالى بين أنه كما لم يحصل لذلك الزرععاقبة تحمد، فكذلك المغتر بالدنيا المحبلها لا يحصل له عاقبة تحمد.
و الوجه الثالث:
أن يكون وجه التشبيه مثلقوله سبحانه:وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْعَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً[الفرقان: 23] فلما صار سعي هذا الزراع باطلابسبب حدوث الأسباب المهلكة، فكذلك سعيالمغتر بالدنيا.
و الوجه الرابع:
أن مالك ذلك البستان لما عمره بإتعابالنفس و كد الروح، و علق قلبه على الانتفاعبه، فإذا حدث ذلك السبب المهلك، و صارالعناء الشديد الذي تحمله في الماضي سببالحصول الشقاء الشديد له في المستقبل، و هوما يحصل له في قلبه من الحسرات فكذلك حالمن وضع قلبه على الدنيا و أتعب نفسه فيتحصيلها، فإذا مات، و فاته كل ما نال، صارالعناء الذي تحمله في تحصيل أسباب الدنيا،سببا لحصول الشقاء العظيم له في الآخرة.
و الوجه الخامس:
لعله تعالى إنما ضرب هذاالمثل لمن لا يؤمن بالمعاد،و ذلك لأنا نرى الزرع الذي قد انتهى إلىالغاية القصوى في التربية، قد بلغ الغايةفي الزينة و الحسن ثم يعرض للأرض المتزينةبه آفة، فيزول ذلك الحسن بالكلية، ثم تصيرتلك الأرض موصوفة بتلك الزينة مرة أخرىفذكر هذا المثال ليدل على أن من قدر علىذلك، كان قادرا على إعادة الأحياء فيالآخرة ليجازيهم على أعمالهم، إن خيرافخير، و إن شرا فشر.
المسألة الثانية: (المثل): قول يشبه به حالالثاني بالأول،
و يجوز أن يكون المراد من المثل الصفة والتقدير: إنما صفة الحياة الدنيا. و أماقوله: وَ ازَّيَّنَتْ فقال الزجاج: يعنيتزينت فأدغمت التاء في الزاي و سكنت الزايفاجتلب لها ألف الوصل، و هذا مثل ما ذكرنافي قوله: فَادَّارَأْتُمْ [البقرة: 72]ادَّارَكُوا [الأعراف: 38].و أما قوله: وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْقادِرُونَ عَلَيْها فقال ابن عباس رضياللَّه عنهما: يريد أن أهل تلك الأرضقادرون على حصادها و تحصيل ثمراتها والتحقيق أن الضمير و إن كان في الظاهرعائدا إلى الأرض، إلا أنه