روي أن طائفة من المشركينقالوا: إذا أغلقنا أبوابنا و أرسلناستورنا، و استغشينا ثيابنا و ثنينا صدورناعلى عداوة محمد، فكيف يعلم بنا؟ و على هذاالتقدير: كان قوله: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْكناية عن النفاق، فكأنه قيل: يضمرون خلافما يظهرون ليستخفوا من اللَّه تعالى، ثمنبه بقوله: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَثِيابَهُمْ على أنهم يستخفون منه حينيستغشون ثيابهم.
الوجه الثاني:
روي أن بعض الكفار كان إذامر به رسول اللَّه ثنى صدره و ولى ظهره واستغشى ثيابه، و التقدير كأنه قيل: إنهميتصرفون عنه ليستخفوا منه حين يستغشونثيابهم، لئلا يسمعوا كلام رسول اللَّه وما يتلو من القرآن، و ليقولوا في أنفسهم مايشتهون من الطعن. و قوله: أَلا للتنبيه،فنبه أولا على أنهم ينصرفوا عنه ليستخفواثم كرر كلمة أَلا للتنبيه على ذكرالاستخفاء لينبه على وقت استخفائهم، و هوحين يستغشون ثيابهم، كأنه قيل: ألا إنهمينصرفون عنه ليستخفوا من اللَّه، ألا إنهميستخفون حين يستغشون ثيابهم. ثم ذكر أنه لافائدة لهم في استخفائهم بقوله: يَعْلَمُما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ.
[سورة هود (11): آية 6]
وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِإِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ(6)اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولىأنه يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ مايُعْلِنُونَ أردفه بما يدل على كونه تعالىعالما بجميع المعلومات، فثبت أن رزق كلحيوان إنما يصل إليه من اللَّه تعالى، فلولم يكن عالما بجميع المعلومات لما حصلتهذه المهمات،و في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الزجاج: الدابة اسملكل حيوان،
لأن الدابة اسم مأخوذ من الدبيب، و بنيتهذه اللفظة على هاء التأنيث، و أطلق على كلحيوان ذي روح ذكرا كان أو أنثى، إلا أنهبحسب عرف العرب اختص بالفرس، و المرادبهذا اللفظ في هذه الآية الموضوع الأصلياللغوي فيدخل فيه جميع الحيوانات، و هذامتفق عليه بين المفسرين، و لا شك أن أقسامالحيوانات و أنواعها كثيرة، و هي الأجناسالتي تكون في البر و البحر و الجبال، واللَّه يحصيها دون غيره، و هو تعالى عالمبكيفية طبائعها و أعضائها و أحوالها وأغذيتها و سمومها و مساكنها، و ما يوافقهاو ما يخالفها، فالإله المدبر لإطباقالسموات و الأرضين و طبائع الحيوان والنبات، كيف لا يكون عالما بأحوالها؟ رويأن موسى عليه السلام عند نزول الوحي إليهتعلق قلبه بأحوال أهله، فأمره اللَّهتعالى أن يضرب بعصاه على صخرة فانشقت وخرجت صخرة ثانية. ثم ضرب بعصاه عليهافانشقت و خرجت صخرة ثالثة، ثم ضربها بعصاهفانشقت فخرجت منها دودة كالذرة و في فمهاشيء يجري مجرى الغذاء لها، و رفع الحجابعن سمع موسى عليه السلام فسمع الدودة تقول:سبحان من يراني، و يسمع كلامي، و يعرفمكاني، و يذكرني و لا ينساني.
المسألة الثانية: تعلق بعضهم بأنه يجب علىاللَّه تعالى بعض الأشياء بهذه الآية
و قال: إن كلمة (على) للوجوب، و هذا يدل علىأن إيصال الرزق إلى الدابة واجب علىاللَّه.و جوابه: أنه واجب بحسب الوعد و الفضل والإحسان.
المسألة الثالثة: تعلق أصحابنا بهذهالآية في إثبات أن الرزق قد يكون حراما،
قالوا لأنه ثبت أن إيصال الرزق إلى كلحيوان واجب على اللَّه تعالى بحسب الوعد وبحسب الاستحقاق، و اللَّه تعالى لا يحلبالواجب، ثم قد نرى