[سورة هود (11): آية 5] - مفاتیح الشرائع جلد 17
لطفا منتظر باشید ...
عما سواه و علموا أنه سبحانه و تعالى هوالضار و النافع و المعطي و المانع.
ثم إنه تعالى لما بين هذه الأحوال قال: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُعَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
و الأمر كذلك، لأن من اشتغل بعبادة غيراللَّه صار في الدنيا أعمى، مَنْ كانَ فِيهذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِأَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا [الإسراء: 72]و الذي يبين ذلك أن من أقبل على طلب الدنياو لذاتها و طيباتها قوي حبه لها و مال طبعهإليها وعظمت رغبته فيها، فإذا مات بقي معهذلك الحب الشديد و الميل التام و صار عاجزاعن الوصول إلى محبوبه، فحينئذ يعظم البلاءو يتكامل الشقاء، فهذا القدر المعلومعندنا من عذاب ذلك اليوم، و أما تفاصيل تلكالأحوال فهي غائبة عنا ما دمنا في هذهالحياة الدنيوية. ثم بين أنه لا بد منالرجوع إلى اللَّه تعالى بقوله: إِلَىاللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَ هُوَ عَلىكُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
و اعلم أن قوله: إِلَى اللَّهِمَرْجِعُكُمْ فيه دقيقة،
و هي: أن هذا اللفظ يفيد الحصر، يعني أنمرجعنا إلى اللَّه لا إلى غيره، فيدل هذاعلى أنه لا مدبر و لا متصرف هناك إلا هو والأمر كذلك أيضا في هذه الحياة الدنيوية،إلا أن أقواما اشتغلوا بالنظر إلى الوسائطفعجزوا عن الوصول إلى مسبب الأسباب، فظنواأنهم في دار الدنيا قادرون على شيء، وأما في دار الآخرة، فهذا الحال الفاسدزائل أيضا، فلهذا المعنى بين هذا الحصربقوله:
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ.
ثم قال: وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍقَدِيرٌ
و أقول إن هذا تهديد عظيم من بعض الوجوه وبشارة عظيمة من سائر الوجوه. أما إنه تهديدعظيم فلأن قوله تعالى: إِلَى اللَّهِمَرْجِعُكُمْ يدل على أنه ليس مرجعنا إلاإليه، و قوله:
وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌيدل على أنه قادر على جميع المقدورات لادافع لقضائه و لا مانع لمشيئته و الرجوعإلى الحاكم الموصوف بهذه الصفة مع العيوبالكثيرة و الذنوب العظيمة مشكل و أما أنهبشارة عظيمة فلأن ذلك يدل على قدرة غالبة وجلالة عظيمة لهذا الحاكم و على ضعف تام وعجز عظيم لهذا العبد، و الملك القاهرالعالي الغالب إذا رأى عاجزا مشرفا علىالهلاك فإنه يخلصه من الهلاك، و منه المثلالمشهور: ملكت فاسجح.
يقول مصنف هذا الكتاب: قد أفنيت عمري فيخدمة العلم و المطالعة للكتب و لا رجاء ليفي شيء إلا أني في غاية الذلة و القصور والكريم إذا قدر غفر، و أسألك يا أكرمالأكرمين و يا أرحم الراحمين و ساتر عيوبالمعيوبين و مجيب دعوة المضطرين أن تفيضسجال رحمتك على ولدي و فلذة كبدي و أنتخلصنا بالفضل و التجاوز و الجود و الكرم.
[سورة هود (11): آية 5]
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْلِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَيَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ مايُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُعَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (5)
اعلم أنه تعالى لما قال: وَ إِنْتَوَلَّوْا يعني عن عبادته و طاعتهفَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَيَوْمٍ كَبِيرٍ [هود: 3] بين بعده أن التوليعن ذلك باطنا كالتولي عنه ظاهرا فقال: أَلاإِنَّهُمْ يعني الكفار من قوم محمد صلّىالله عليه وسلّم يثنون صدورهم ليستخفوامنه.
و اعلم أنها تعالى حكى عن هؤلاء الكفارشيئين: الأول: أنهم يثنون صدورهم يقال:ثنيت الشيء إذا عطفته و طويته، و فيالآية وجهان: