المسألة الأولى: احتج أصحابنا بهذه الآيةعلى أن الكفر بقضاء اللَّه تعالى وإرادته، - مفاتیح الشرائع جلد 17
لطفا منتظر باشید ...
[في قوله تعالى قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْمِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إلى قولهفَأَنَّى تُصْرَفُونَ]
اعلم أنه تعالى لما بين فضائح عبدةالأوثان أتبعها بذكر الدلائل الدالة علىفساد هذا المذهب.
فالحجة الأولى: ما ذكره في هذه الآية و هوأحوال الرزق و أحوال الحواس و أحوال الموتو الحياة. أما الرزق فإنه إنما يحصل منالسماء و الأرض، أما من السماء فبنزولالأمطار الموافقة و أما من الأرض، فلأنالغذاء إما أن يكون نباتا أو حيوانا، أماالنبات فلا ينبت إلا من الأرض و أماالحيوان فهو محتاج أيضا إلى الغذاء و لايمكن أن يكون غذاء كل حيوان حيوانا آخر وإلا لزم الذهاب إلى ما لا نهاية له و ذلكمحال، فثبت أن أغذية الحيوانات يجبانتهاؤها إلى النبات و ثبت أن تولد النباتمن الأرض، فلزم القطع بأن الأرزاق لا تحصلإلا من السماء و الأرض، و معلوم أن مدبرالسموات و الأرضين ليس إلا اللَّه سبحانهو تعالى، فثبت أن الرزق ليس إلا من اللَّهتعالى، و أما أحوال الحواس فكذلك، فأنأشرفها السمع و البصر و كان علي رضي اللَّهعنه يقول: سبحان من بصر بشحم، و أسمع بعظم،و أنطق بلحم، و أما أحوال الموت و الحياةفهو قوله: وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَالْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَالْحَيِّ و فيه وجهان: الأول: أنه يخرجالإنسان و الطائر من النطفة و البيضة وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ أييخرج النطفة و البيضة من الإنسان و الطائر.و الثاني: أن المراد منه أنه يخرج المؤمنمن الكافر، و الكافر من المؤمن، والأكثرون على القول الأول، و هو إلىالحقيقة أقرب، ثم إنه تعالى لما ذكر هذاالتفصيل ذكر بعده كلاما كليا، و هو قوله:وَ مَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ و ذلك لأنأقسام تدبير اللَّه تعالى في العالمالعلوي و في العالم السفلي و في عالميالأرواح و الأجساد أمور لا نهاية لها، وذكر كلها كالمتعذر، فلما ذكر بعض تلكالتفاصيل لا جرم عقبها بالكلام الكلي ليدلعلى الباقي ثم بين تعالى أن الرسول عليهالسلام، إذا سألهم عن مدبر هذه الأحوالفسيقولون إنه اللَّه سبحانه و تعالى، وهذا يدل على أن المخاطبين بهذا الكلامكانوا يعرفون اللَّه و يقرون به، و همالذين قالوا في عبادتهم للأصنام إنهاتقربنا إلى اللَّه زلفى و إنهم شفعاؤناعند اللَّه و كانوا يعلمون أن هذه الأصناملا تنفع و لا تضر، فعند ذلك قال لرسولهعليه السلام: فَقُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَيعني أفلا تتقون أن تجعلوا هذه الأوثانشركاء للَّه في المعبودية، مع اعترافكمبأن كل الخيرات في الدنيا و الآخرة إنماتحصل من رحمة اللَّه و إحسانه، و اعترافكمبأن هذه الأوثان لا تنفع و لا تضر ألبتة.
ثم قال تعالى: فَذلِكُمُ اللَّهُرَبُّكُمُ و معناه أن من هذه قدرته و رحمتههو رَبُّكُمُ الْحَقُّ الثابت ربوبيتهثباتا لا ريب فيه، و إذا ثبت أن هذا هوالحق، وجب أن يكون ما سواه ضلالا، لأنالنقيضين يمتنع أن يكونا حقين و أن يكوناباطلين، فإذا كان أحدهما حقا وجب أن يكونما سواه باطلا.
ثم قال: فَأَنَّى تُصْرَفُونَ و المعنىأنكم لما عرفتم هذا الأمر الواضح الظاهرفَأَنَّى تُصْرَفُونَ و كيف تستجيزونالعدول عن هذا الحق الظاهر، و اعلم أنالجبائي قد استدل بهذه الآية و قال: هذايدل على بطلان قول المجبرة أنه تعالى يصرفالكفار عن الإيمان، لأنه لو كان كذلك لماجاز أن يقول: فَأَنَّى تُصْرَفُونَ كما لايقول إذا أعمى بصر أحدهم إني عميت، و اعلمأن الجواب عنه سيأتي عن قريب.
أما قوله: كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُرَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواأَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ففيه مسائل:
المسألة الأولى: احتج أصحابنا بهذه الآيةعلى أن الكفر بقضاء اللَّه تعالى وإرادته،
و تقريره أنه تعالى أخبر عنهم خبرا جزماقطعا أنهم لا يؤمنون، فلو آمنوا لكان إماأن يبقى ذلك الخبر صدقا أو لا يبقى، والأول باطل، لأن الخبر بأنه لا يؤمن قطعايمتنع أن يبقى صدقا حال ما يوجد الإيمانمنه و الثاني أيضا باطل، لأن انقلاب خبراللَّه