فمن المعلوم أن الفرح الحاصل عند حدوثالولد لا يعادل الحزن الحاصل عند موته.الخامس: أن اللذات الجسمانية حال حصولهاتكون ممتنعة البقاء، لأن لذة الأكل لاتبقى بحالها، بل كما زال ألم الجوع زالالالتذاذ بالأكل و لا يمكن استبقاء تلكاللذة. السادس: أن اللذات الجسمانيةالتذاذ بأشياء خسيسة، فإنها التذاذبكيفيات حاصلة في أجسام رخوة سريعة الفسادمستعدة للتغير، فأما اللذات الروحانيةفإنها بالضد في جميع هذه الجهات، فثبت أنالفرح باللذات الجسمانية فرح باطل، و أماالفرح الكامل فهو الفرح بالروحانيات والجواهر المقدسة و عالم الجلال و نورالكبرياء.
و البحث الثاني:
من مباحث هذه الآية أنهإذا حصلت اللذات الروحانية فإنه يجب علىالعاقل أن لا يفرح بها من حيث هي هي، بل يجبأن يفرح بها من حيث إنها من اللَّه تعالى وبفضل اللَّه و برحمته، فلهذا السبب قالالصديقون: من فرح بنعمة اللَّه من حيث إنهاتلك النعمة فهو مشرك، أما من فرح بنعمةاللَّه من حيث إنها من اللَّه كان فرحهباللَّه، و ذلك هو غاية الكمال و نهايةالسعادة فقوله سبحانه: قُلْ بِفَضْلِاللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَفَلْيَفْرَحُوا يعني فليفرحوا بتلك النعملا من حيث هي هي، بل من حيث إنها بفضلاللَّه و برحمة اللَّه، فهذه أسرار عاليةاشتملت عليها هذه الألفاظ التي ظهرت منعالم الوحي و التنزيل، هذا ما تلخص عندنافي هذا الباب، أما المفسرون فقالوا: فضلاللَّه الإسلام، و رحمته القرآن. و قال أبوسعيد الخدري: فضل اللَّه القرآن، و رحمتهأن جعلكم من أهله.
المسألة الرابعة: قرىء فلتفرحوابالتاء،
قال الفراء: و قد ذكر عن زيد بن ثابت أنهقرأ بالتاء و قال:معناه فبذلك فلتفرحوا يا أصحاب محمد هوخير مما يجمع الكفار، قال و قريب من هذهالقراءة قراءة أبي فبذلك فافرحوا و الأصلفي الأمر للمخاطب و الغائب اللام نحو لتقميا زيد و ليقم زيد، و ذلك لأن حكم الأمر فيالصورتين واحد، إلا أن العرب حذفوا اللاممن فعل المأمور المخاطب لكثرة استعماله، وحذفوا التاء أيضا و أدخلوا ألف الوصل نحواضرب و اقتل ليقع الابتداء به و كانالكسائي يعيب قولهم فليفرحوا لأنه وجدهقليلا فجعله عيبا إلا أن ذلك هو الأصل، وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قالفي بعض المشاهد: «لتأخذوا مصافكم» يريد بهخذوا، هذا كله كلام الفراء. و قرىءتجمعون بالتاء و وجهه أنه تعالى عنىالمخاطبين و الغائبين إلا أنه غلب المخاطبعلى الغائب كما يغلب التذكير على التأنيث،فكأنه أراد المؤمنين هكذا قال أهل اللغة وفيه دقيقة عقلية و هو أن الإنسان حصل فيهمعنى يدعوه إلى خدمة اللَّه تعالى و إلىالاتصال بعالم الغيب و معارج الروحانيات،و فيه معنى آخر يدعوه إلى عالم الحس والجسم و اللذات الجسدانية، و ما دام الروحمتعلقا بهذا الجسد، فإنه لا ينفك عن حبالجسد، و عن طلب اللذات الجسمانية، فكأنهتعالى خاطب الصديقين العارفين،