أن المراد منه الكافر، ويدل عليه وجوه: الأول: أن الأصل في المفردالمحلى بالألف و اللام أن يحمل علىالمعهود السابق لو لا المانع، و ههنا لامانع فوجب حمله عليه و المعهود السابق هوالكافر المذكور في الآية المتقدمة.الثاني: أن الصفات المذكورة للإنسان فيهذه الآية لا تليق إلا بالكافر لأنه وصفهبكونه يؤسا، و ذلك من صفات الكافر لقولهتعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِاللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ[يوسف: 78] و وصفه أيضا بكونه كفورا، و هوتصريح بالكفر و وصفه أيضا بأنه عند وجدانالراحة يقول:ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي، [هود: 10] وذلك جزاءة على اللَّه تعالى، و وصفه أيضابكونه فرحا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّالْفَرِحِينَ [القصص: 76] و وصفه أيضا بكونهفخورا، و ذلك ليس من صفات أهل الدين. ثم قالالناظرون لهذا القول: وجب أن يحملالاستثناء المذكور في هذه الآية علىالاستثناء المنقطع حتى لا تلزمنا هذهالمحذورات.
المسألة الثانية: لفظ الإذاقة و الذوقيفيد أقل ما يوجد به الطعم،
فكان المراد أن الإنسان بوجدان أقلالقليل من الخيرات العاجلة يقع في التمردو الطغيان، و بإدراك أقل القليل من المحنةو البلية يقع في اليأس و القنوط و الكفرانفالدنيا في نفسها قليلة، و الحاصل منهاللإنسان الواحد قليل، و الإذاقة من ذلكالمقدار خير قليل ثم إنه في سرعة الزواليشبه أحلام النائمين و خيالات المؤسوسين،فهذه الإذاقة من قليل، و مع ذلك فإنالإنسان لا طاقة له بتحملها و لا صبر لهعلى الإتيان بالطريق الحسن معها. و أماالنعماء فقال الواحدي: إنها إنعام يظهرأثره على صاحبه، و الضراء مضرة يظهر أثرهاعلى صاحبها، لأنها خرجت مخرج الأحوالالظاهرة نحو حمراء و عوراء، و هذا هو الفرقبين النعمة و النعماء، و المضرة و الضراء.
المسألة الثالثة: اعلم أن أحوال الدنياغير باقية، بل هي أبدا في التغير و الزوال،و التحول و الانتقال،
إلا أن الضابط فيه أنه إما أن يتحول منالنعمة إلى المحنة، و من اللذات إلىالآفات و إما أن يكون بالعكس من ذلك، و هوأن ينتقل من المكروه إلى المحبوب، و منالمحرمات إلى الطيبات.أما القسم الأول: فهو المراد من قوله: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّارَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُإِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌو حاصل الكلام أنه تعالى حكم على هذاالإنسان بأنه يؤس كفور و تقريره أن يقال:أنه حال زوال تلك النعمة يصير يؤسا، و ذلكلأن الكافر يعتقد أن السبب في حصول تلكالنعمة سبب اتفاقي، ثم إنه يستبعد حدوثذلك الاتفاق مرة أخرى فلا جرم يستبعد عودتلك النعمة فيقع في اليأس. و أما المسلمالذي يعتقد أن تلك النعمة إنما حصلت مناللَّه تعالى و فضله و إحسانه و طوله فإنهلا يحصل له اليأس، بل يقول لعله تعالىيردها إلى بعد ذلك أكمل و أحسن و أفضل مماكانت، و أما حال كون تلك النعمة حاصلة فإنهيكون كفورا لأنه لما اعتقد أن حصولها إنماكان على سبيل الاتفاق أو بسبب أن الإنسانحصلها بسبب جده و جهده، فحينئذ لا يشتغلبشكر