[سورة يونس (10): آية 2]
أَ كانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْأَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْأَنْذِرِ النَّاسَ وَ بَشِّرِ الَّذِينَآمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍعِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَإِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2)في الآية مسائل:المسألة الأولى: أن كفار قريش تعجبوا منتخصيص اللّه تعالى محمدا بالرسالة والوحي،
فأنكر اللّه تعالى عليهم ذلك التعجب. أمابيان كون الكفار تعجبوا من هذا التخصيصفمن وجوه: الأول: قوله تعالى: أَ جَعَلَالْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذالَشَيْءٌ عُجابٌ وَ انْطَلَقَالْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذالَشَيْءٌ يُرادُ [ص: 5، 6] و إذا بلغوا فيالجهالة إلى أن تعجبوا من كون الإله تعالىواحدا، لم يبعد أيضا أن يتعجبوا من تخصيصاللّه تعالى محمدا بالوحي و الرسالة! والثاني: أن أهل مكة كانوا يقولون: إن اللّهتعالى ما وجد رسولا إلى خلقه إلا يتيم أبيطالب! و الثالث: أنهم قالوا: لَوْ لانُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍمِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31]و بالجملة فهذا التعجب يحتمل وجهين:أحدهما: أن يتعجبوا من أن يجعل اللّه بشرارسولا، كما حكى عن الكفار أنهم قالوا: أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا[الإسراء: 94] و الثاني: أن لا يتعجبوا من ذلكبل يتعجبوا من تخصيص محمد عليه الصلاة والسلام بالوحي و النبوة مع كونه فقيرايتيما، فهذا بيان أن الكفار تعجبوا من ذلك.و أما بيان أن اللّه تعالى أنكر عليهم هذاالتعجب فهو قوله في هذه الآية: أَ كانَلِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْناإِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ فإن قوله: أَ كانَلِلنَّاسِ عَجَباً لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الإنكار، لأن يكون ذلك عجبا و إنماوجب إنكار هذا التعجب لوجوه: الأول: أنهتعالى مالك الخلق و ملك لهم و المالك والملك هو الذي له الأمر و النهي و الإذن والمنع و لا بد من إيصال تلك التكاليف إلىأولئك المكلفين بواسطة بعض العباد و إذاكان الأمر كذلك كان إرسال الرسول أمرا غيرممتنع، بل كان مجوزا في العقول. الثاني:أنه تعالى خلق الخلق للاشتغال بالعبوديةكما قال: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56] و قال: إِنَّا خَلَقْنَاالْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍنَبْتَلِيهِ [الإنسان: 2] و قال: قَدْأَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَرَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى: 14، 15] ثم إنهتعالى أكمل عقولهم و مكنهم من الخير والشر، ثم علم تعالى أن عباده لا يشتغلونبما كلفوا به، إلا إذا أرسل إليهم رسولا ومنبها فعند هذا يجب وجوب الفضل و الكرم والرحمة أن يرسل إليهم ذلك الرسول، و إذاكان ذلك واجبا فكيف يتعجب منه. الثالث: أنإرسال الرسل أمر ما أخلى اللّه تعالي شيئامن أزمنة وجود المكلفين منه، كما قال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّارِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ [يوسف: 109] فكيفيتعجب منه مع أنه قد سبقه النظير، و يؤكدهقوله تعالى: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاًإِلى قَوْمِهِ [الأعراف: 59] و سائر