فقالوا: العمل بالقياس عمل بالظن، فوجب أنلا يجوز، لقوله تعالى: إِنَّ الظَّنَّ لايُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً.أجاب مثبتو القياس، فقالوا: الدليل الذيدل على وجوب العمل بالقياس دليل قاطع،فكان وجوب العمل بالقياس معلوما، فلم يكنالعمل بالقياس مظنونا بل كان معلوما.أجاب المستدل عن هذا السؤال، فقال: لو كانالحكم المستفاد من القياس يعلم كونه حكماللَّه تعالى لكان ترك العمل به كفرا لقولهتعالى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِماأَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُالْكافِرُونَ [المائدة: 44] و لما لم يكنكذلك، بطل العمل به و قد يعدون عن هذهالحجة بأنهم قالوا: الحكم المستفاد منالقياس إما أن يعلم كونه حكما للَّه تعالىأو يظن أو لا يعلم و لا يظن و الأول باطل وإلا لكان من لم يحكم به كافرا لقوله تعالى:وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَاللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ[المائدة: 44] و بالاتفاق ليس كذلك. و الثاني:باطل، لأن العمل بالظن لا يجوز لقولهتعالى: إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَالْحَقِّ شَيْئاً و الثالث: باطل، لأنهإذا لم يكن ذلك الحكم معلوما و لا مظنونا،كان مجرد التشهي، فكان باطلا لقوله تعالى:فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌأَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُواالشَّهَواتِ [مريم: 59].و أجاب مثبتو القياس: بأن حاصل هذا الدليليرجع إلى التمسك بالعمومات، و التمسكبالعمومات لا يفيد إلا الظن. فلما كانت هذهالعمومات دالة على المنع من التمسك بالظن،لزم كونها دالة على المنع من التمسك بها، وما أفضى ثبوته إلى نفيه كان متروكا.
المسألة الثانية: دلت هذه الآية على أن كلمن كان ظانا في مسائل الأصول، و ما كانقاطعا، فإنه لا يكون مؤمنا.
فإن قيل: فقول أهل السنة أنا مؤمن إن شاءاللَّه يمنع من القطع فوجب أن يلزمهمالكفر.قلنا: هذا ضعيف من وجوه: الأول: مذهبالشافعي رحمه اللَّه: أن الإيمان عبارة عنمجموع الاعتقاد