وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلىقَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ(25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍأَلِيمٍ (26)[في قوله تعالى وَ لَقَدْ أَرْسَلْنانُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْنَذِيرٌ مُبِينٌ]اعلم أنه تعالى قد بدأ بذكر هذه القصة فيسورة يونس و قد أعادها في هذه السورة أيضالما فيها من زوائد الفوائد و بدائع الحكم،و فيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ ابن كثير و أبو عمرو والكسائي أني بفتح الهمزة،
و المعنى: أرسلنا نوحا بأني لكم نذيرمبين، و معناه أرسلناه ملتبسا بهذا الكلامو هو قوله: أني لكم نذير مبين فلما اتصل بهحرف الجر و هو الباء فتح كما فتح في كان، وأما سائر القراء فقرؤا إِنِّي بالكسر علىمعنى قال إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ.
المسألة الثانية: قال بعضهم: المراد منالنذير كونه مهددا للعصاة بالعقاب،
و من المبين كونه مبينا ما أعد اللَّهللمطيعين من الثواب، و الأولى أن يكونالمعنى أنه نذير للعصاة من العقاب و أنهمبين بمعنى أنه بين ذلك الإنذار علىالطريق الأكمل و البيان الأقوى الأظهر، ثمبين تعالى أن ذلك الإنذار إنما حصل فيالنهي عن عبادة غير اللَّه و في الأمربعبادة اللَّه لأن قوله: أَنْ لاتَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ استثناء منالنفي و هو يوجب نفي غير المستثنى.و اعلم أن تقدير الآية كأنه تعالى قال ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه بهذا الكلام و هوقوله: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ.ثم قال: أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّااللَّهَفقوله: أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّااللَّهَ بدل من قوله: إِنِّي لَكُمْنَذِيرٌ ثم إنه أكد ذلك بقوله: إِنِّيأَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍو المعنى أنه لما حصل الألم العظيم في ذلكاليوم أسند ذلك الألم إلى اليوم، كقولهمنهارك صائم، و ليلك قائم.
[سورة هود (11): آية 27]
فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوامِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراًمِثْلَنا وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّالَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَالرَّأْيِ وَ ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنامِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ(27)اعلم أنه تعالى لما حكى عن نوح عليهالسلام أنه دعا قومه إلى عبادة اللَّهتعالى حكى عنهم أنهم طعنوا في نبوتهبثلاثة أنوع من الشبهات.
فالشبهة الأولى:
أنه بشر مثلهم،و التفاوت الحاصل بين آحاد البشر يمتنعانتهاؤه إلى حيث يصير الواحد منهم واجبالطاعة لجميع العالمين.
و الشبهة الثانية:
كونه ما أتبعه إلاأراذل من القوم كالحياكة و أهل الصنائعالخسيسة،قالوا و لو كنت صادقا لاتبعك الأكياس منالناس و الأشراف منهم، و نظيره قوله تعالىفي سورة الشعراء أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [الشعراء: 111].
و الشبهة الثالثة:
قوله تعالى: وَ مانَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍو المعنى: لا نرى لكم علينا من فضل لا فيالعقل و لا في رعاية المصالح العاجلة و لافي قوة الجدل فإذا لم نشاهد فضلك علينا فيشيء من هذه الأحوال