المسألة الأولى: اعلم أن الطريق إلى إثباتنبوة الأنبياء عليهم السلام أمران:
الأول: أن نقول إن هذا الشخص قد ادعىالنبوة و ظهرت المعجزة على يده و كل من كانكذلك، فهو رسول من عند اللَّه حقا و صدقا،و هذا الطريق مما قد ذكره اللَّه تعالى فيهذه السورة و قرره على أحسن الوجوه فيقوله: وَ ما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْيُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لكِنْتَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِمِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَافْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍمِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْمِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْصادِقِينَ [يونس: 37، 38] و قد ذكرنا في تفسيرهذه الآية ما يقوي الدين و يورث اليقين ويزيل الشكوك و الشبهات و يبطل الجهالات والضلالات.و أما الطريق الثاني فهو أن نعلم بعقولناأن الاعتقاد الحق و العمل الصالح ما هو؟فكل من جاء و دعا الخلق إليهم و حملهم عليهو كانت لنفسه قوة قوية في نقل الناس منالكفر إلى الإيمان، و من الاعتقاد الباطلإلى الاعتقاد الحق، و من الأعمال الداعيةإلى الدنيا إلى الأعمال الداعية إلىالآخرة فهو النبي الحق الصادق المصدق، وتقريره: أن نفوس الخلق قد استولى عليهاأنواع النقص و الجهل و حب الدنيا، و نحننعلم بعقولنا أن سعادة الإنسان لا تحصلإلا بالاعتقاد الحق و العمل الصالح، وحاصله يرجع إلى حرف و احد و هو أن كل ما قوىنفرتك عن الدنيا و رغبتك في الآخرة فهوالعمل الصالح و كل ما كان بالضد من ذلك فهوالعمل الباطل و المعصية، و إذا كان الأمركذلك كانوا محتاجين إلى إنسان كامل، قويالنفس، مشرق الروح، علوي الطبيعة، و يكونبحيث يقوى على نقل هؤلاء الناقصين من مقامالنقصان إلى مقام الكمال، و ذلك هو النبي.فالحاصل أن الناس أقسام ثلاثة: الناقصون والكاملون الذين لا يقدرون على تكميلالناقصين، و القسم الثالث هو الكامل الذييقدر على تكميل الناقصين، فالقسم الأول هوعامة الخلق، و القسم الثاني هم الأولياء،و القسم الثالث هم الأنبياء، و لما كانتالقدرة على نقل الناقصين من درجة النقصانإلى درجة الكمال مراتبها مختلفة و درجاتهامتفاوتة، لا جرم كانت درجات الأنبياء فيقوة النبوة مختلفة و لهذا السر: قال النبيصلّى الله عليه وسلّم: «علماء أمتيكأنبياء بني إسرائيل».إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إنه تعالىلما بين صحة نبوة محمد صلّى الله عليهوسلّم بطريق المعجزة، ففي هذه الآية بينصحة نبوته بالطريق الثاني، و هذا الطريقطريق كاشف عن حقيقة النبوة معرف لماهيتها،فالاستدلال