المسألة الثانية: أن نوحا عليه السلام قاللقومه: إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْمَقامِي وَ تَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِفَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ
و هذا جملة من الشرط و الجزاء،أما الشرط فهو مركب من قيدين:
القيد الأول:
قوله: إِنْ كانَ كَبُرَعَلَيْكُمْ مَقامِيقال الواحدي في «البسيط»: يقال كبر يكبركبرا في السن، و كبر الأمر و الشيء إذاعظم يكبر كبرا و كبارة. قال ابن عباس: ثقلعليكم و شق عليكم و عظم أمره عندكم والمقام بفتح الميم مصدر كالإقامة. يقال:أقام بين أظهرهم مقاما و إقامة، و المقامبضم الميم الموضع الذي يقام فيه، و أرادبالمقام ههنا مكثه و لبثه فيهم و بالجملةفقوله: كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي جارمجرى قولهم:فلان ثقيل الظل.و اعلم أن سبب هذا الثقل أمران: أحدهما:أنه عليه السلام مكث فيهم ألف سنة إلاخمسين عاما.و الثاني: أن أولئك الكفار كانوا قد ألفواتلك المذاهب الفاسدة و الطرائق الباطلة والغالب أن من ألف طريقة في الدين فإنه يثقلعليه أن يدعى إلى خلافها، و يذكر لهركاكتها، فإن اقترن بذلك طول مدة الدعاءكان أثقل و أشد كراهية، فإن اقترن به إيرادالدلائل القاهرة على فساد تلك المذهب كانتالنفرة أشد فهذا هو السبب في حصول ذلكالثقل.
و القيد الثاني:
هو قوله: وَ تَذْكِيرِيبِآياتِ اللَّهِ.و اعلم أن الطباع المشغولة بالدنياالحريصة على طلب اللذات العاجلة تكونشديدة النفرة عن الأمر بالطاعات و النهيعن المعاصي و المنكرات، قوية الكراهةلسماع ذكر الموت و تقبيح صورة الدنيا و منكان كذلك فإنه يستثقل الإنسان الذي يأمرهبالمعروف و ينهاه عن المنكر و في الآية وجهآخر و هو أن يكون قوله:إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ معناه أنهمكانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهميعظونهم ليكون مكانهم ظاهرا و كلامهممسموعا، كما يحكى عن عيسى عليه السلام أنهكان يعظ الحواريين قائما و هم قعود.و اعلم أن هذا هو الشرط المذكور في هذهالآية،أما الجزاء ففيه قولان:
القول الأول:
أن الجزاء هو قوله: فَعَلَىاللَّهِ تَوَكَّلْتُيعني أن شدة بغضكم لي تحملكم علىالإقدام