المسألة الثانية: قال الزجاج: يقال هديتإلى الحق، و هديت للحق بمعنى واحد،
و اللَّه تعالى ذكر هاتين اللغتين فيقوله: قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ.
المسألة الثالثة: في قوله: أَمَّنْ لايَهِدِّي ست قراءات:
الأول: قرأ ابن كثير و ابن عامر و ورش عننافع يهدي بفتح الياء و الهاء و تشديدالدال، و هو اختيار أبي عبيدة و أبي حاتم،لأن أصله يهتدي أدغمت التاء في الدال ونقلت فتحة التاء المدغمة إلى الهاء.الثانية: قرأ نافع ساكنة الهاء مشددةالدال أدغمت التاء في الدال و تركت الهاءعلى حالها، فجمع في قراءته بين ساكنين كماجمعوا في يَخِصِّمُونَ [يس: 49] قال علي بنعيسى و هو غلط على نافع. الثالثة: قرأ أبوعمرو بالإشارة إلى فتحة الهاء من غيرإشباع فهو بين الفتح و الجزم مختلسة علىأصل مذهبه اختيارا للتخفيف، و ذكر علي بنعيسى أنه الصحيح من قراءة نافع. الرابعة:قرأ عاصم بفتح الياء و كسر الهاء و تشديدالدال فرارا من التقاء الساكنين، و الجزميحرك بالكسر. الخامسة: قرأ حماد و يحيى بنآدم عن أبي بكر عن عاصم بكسر الياء و الهاءأتبع الكسرة للكسرة. و قيل: هو لغة من قرأ(نستعين و نعبد) السادسة: قرأ حمزة والكسائي يهدي ساكنة الهاء و بتخفيف الدالعلى معنى يهتدي و العرب تقول: يهدي، بمعنىيهتدي يقال: هديته فهدى أي اهتدى.
المسألة الرابعة: في لفظ الآية إشكال،
و هو أن المراد من الشركاء في هذه الآيةالأصنام و أنها جمادات لا تقبل الهداية،فقوله: أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْيُهْدى لا يليق بها.و الجواب من وجوه: الأول: لا يبعد أن يكونالمراد من قوله: قُلْ هَلْ مِنْشُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَثُمَّ يُعِيدُهُ هو الأصنام. و المراد منقوله: قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْيَهْدِي إِلَى الْحَقِّ رؤساء الكفر والضلالة و الدعاة إليها و الدليل عليهقوله سبحانه: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِاللَّهِ إلى قوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَسُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] و المراد أن اللَّه سبحانه و تعالى هدىالخلق إلى الدين الحق بواسطة ما أظهر منالدلائل العقلية و النقلية. و أما هؤلاءالدعاة و الرؤساء فإنهم لا يقدرون على أنيهدوا غيرهم إلا إذا هداهم اللَّه تعالى،فكان التمسك بدين اللَّه تعالى أولى منقبول قول هؤلاء الجهال.
الوجه الثاني:
في الجواب أن يقال: إن القوملما اتخذوها آلهة، لا جرم عبر عنها كمايعبر عمن يعلم و يعقل، ألا ترى أنه تعالىقال: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْدُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ[الأعراف: 194] مع أنها جمادات و قال: إِنْتَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ[فاطر: 14] فأجرى اللفظ على الأوثان على حسبما يجري على من يعقل و يعلم فكذا ههناوصفهم اللَّه تعالى بصفة من يعقل، و إن لميكن الأمر كذلك، الثالث: أنا نحمل ذلك علىالتقدير، يعني أنها لو كانت بحيث يمكنهاأن تهدي، فإنها لا تهدي غيرها إلا بعد أنيهديها غيرها، و إذا حملنا الكلام على هذاالتقدير فقد زال السؤال. الرابع: أن البنيةعندنا ليست شرطا لصحة الحياة و العقل،فتلك الأصنام حال كونها خشبا و حجرا قابلةللحياة و العقل، و على هذا التقدير فيصح مناللَّه تعالى أن يجعلها حية عاقلة ثم إنهاتشتغل بهداية الغير. الخامس: أن الهدىعبارة عن النقل و الحركة يقال: هديت المرأة