و كمالها في معرفةالأشياء، و رئيس المعارف و سلطانها معرفةاللَّه.
و القوة العملية:
و كمالها في فعل الخيراتو الطاعات، و رئيس الأعمال الصالحة وسلطانها خدمة اللَّه.فقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا إشارةإلى كمال القوة النظرية بمعرفة اللَّهتعالى و قوله: وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِإشارة إلى كمال القوة العملية بخدمةاللَّه تعالى، و لما كانت القوة النظريةمقدمة على القوة العملية بالشرف و الرتبة،لا جرم وجب تقديمها في الذكر.
الوجه الثاني:
في تفسير هذه الآية قالالقفال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي صدقوا بقلوبهم،ثم حققوا التصديق بالعمل الصالح الذيجاءت به الأنبياء و الكتب من عند اللَّهتعالى.
الوجه الثالث:
الَّذِينَ آمَنُوا أيشغلوا قلوبهم و أرواحهم بتحصيل المعرفةوَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي شغلواجوارحهم بالخدمة، فعينهم مشغولةبالاعتبار كما قال: فَاعْتَبِرُوا ياأُولِي الْأَبْصارِ [الحشر: 2] و أذنهممشغولة بسماع كلام اللَّه تعالى كما قال:وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَىالرَّسُولِ [المائدة: 83] و لسانهم. مشغولبذكر اللَّه كما قال تعالى: يا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ[الأحزاب: 41] و جوارحهم مشغولة بنور طاعةاللَّه كما قال: أَلَّا يَسْجُدُوالِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَفِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [النمل: 25].و اعلم أنه تعالى لما وصفهم بالإيمان والأعمال الصالحة ذكر بعد ذلك درجاتكراماتهم و مراتب سعاداتهم و هي أربعة.
المرتبة الأولى:
قوله: يَهْدِيهِمْرَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْتَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِالنَّعِيمِ و فيه مسائل:
المسألة الأولى: في تفسير قوله:يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْوجوه:
الأول: أنه تعالى يهديهم إلى الجنة ثوابالهم على إيمانهم و أعمالهم الصالحة، والذي يدل على صحة هذا التأويل وجوه: أحدها:قوله تعالى:يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَأَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ [الحديد:12] و ثانيها: ما روي أنه عليه السلام قال:«إن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله فيصورة حسنة فيقول له أنا عملك فيكون له نوراو قائدا إلى الجنة و الكافر إذا خرج منقبره صور له عمله في صورة سيئة فيقول لهأنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار» وثالثها: قال مجاهد: المؤمنون يكون لهم نوريمشي بهم إلى الجنة. و رابعها: و هو الوجهالعقلي أن الإيمان عبارة عن نور اتصل به منعالم القدس، و ذلك النور كالخيط المتصلبين قلب المؤمن و بين ذلك العالم المقدس،فإن حصل هذا الخط النوراني قدر العبد علىأن يقتدي بذلك النور و يرجع إلى عالمالقدس، فأما إذا لم يوجد هذا الحبلالنوراني تاه في ظلمات عالم الضلالات نعوذباللَّه منه.و التأويل الثاني: قال ابن الأنباري: إنإيمانهم يهديهم إلى خصائص في المعرفة ومزايا في الألفاظ و لوامع من النور تستنيربها قلوبهم، و تزول بواسطتها الشكوك والشبهات عنهم، كقوله تعالى: وَ الَّذِينَاهْتَدَوْا زادَهُمْ