المسألة الأولى: [في ذكر الدلائل الدلالةعلى الإلهية.]
اعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل الدالةعلى الإلهية، ثم فرع عليها صحة القولبالحشر و النشر، عاد مرة أخرى إلى ذكرالدلائل الدلالة على الإلهية.و اعلم أن الدلائل المتقدمة في إثباتالتوحيد و الإلهية هي التمسك بخلق السمواتو الأرض، و هذا النوع إشارة إلى التمسكبأحوال الشمس و القمر، و هذا النوع الأخيرإشارة إلى ما يؤكد الدليل الدال على صحةالحشر و النشر، و ذلك لأنه تعالى أثبتالقول بصحة الحشر و النشر، بناء على أنهلابد من إيصال الثواب إلى أهل الطاعة، وإيصال العقاب إلى أهل الكفر، و أنه يجب فيالحكمة تمييز المحسن عن المسيء، ثم إنهتعالى ذكر في هذه الآية أنه جعل الشمس ضياءو القمر نورا و قدره منازل ليتوصل المكلفبذلك إلى معرفة السنين و الحساب، فيمكنهترتيب مهمات معاشه من الزراعة و الحراثة،و إعداد مهمات الشتاء و الصيف، فكأنهتعالى يقول: تمييز المحسن عن المسيء والمطيع عن العاصي، أوجب في الحكمة منتعليم أحوال السنين و الشهور فلما اقتضتالحكمة و الرحمة خلق الشمس و القمر لهذاالمهم الذي لا نفع له إلا في الدنيا فبأنتقتضي الحكمة و الرحمة تمييز المحسن عنالمسيء بعد الموت، مع أنه يقتضي النفعالأبدي و السعادة السرمدية، كان ذلك أولىفلما كان الاستدلال بأحوال الشمس و القمرمن الوجه المذكور في هذه الآية مما يدل علىالتوحيد من وجه، و على صحة القول بالمعادمن الوجه الذي ذكرناه، لا جرم ذكر اللّههذا الدليل بعد ذكر الدليل على صحة المعاد.
المسألة الثانية: الاستدلال بأحوال الشمسو القمر على وجود الصانع المقدر
هو أن يقال: الأجسام في ذواتها متماثلة، وفي ماهياتها متساوية، و متى كان الأمركذلك كان اختصاص جسم الشمس بضوئه الباهر وشعاعه القاهر، و اختصاص جسم القمر بنورهالمخصوص لأجل الفاعل الحكيم المختار، أمابيان أن الأجسام متماثلة في ذواتها وماهياتها، فالدليل عليه أن الأجسام لا شكأنها متساوية في الحجمية و التحيز والجرمية، فلو خالف بعضها بعضا لكانت تلكالمخالفة في أمر وراء الحجمية و الجرميةضرورة أن ما به المخالفة غير ما بهالمشاركة، و إذا كان كذلك فنقول أن ما بهحصلت المخالفة من الأجسام إما أن يكون صفةلها أو موصوفا بها أو لا صفة لها و لاموصوفا بها و الكل باطل.أما القسم الأول: فلأن ما به حصلتالمخالفة لو كانت صفات قائمة بتلك الذوات،فتكون الذوات في أنفسها، مع قطع النظر عنتلك الصفات، متساوية في تمام الماهية، وإذا كان الأمر كذلك، فكل ما يصح على جسم،وجب أن يصح على كل جسم، و ذلك هو المطلوب.و أما القسم الثاني: و هو أن يقال: إن الذيبه خالف بعض الأجسام بعضا، أمور موصوفةبالجسمية و التحيز و المقدار فنقول: هذاأيضا باطل لأن ذلك الموصوف، إما أن يكونحجما و متحيزا أو لا يكون، و الأول باطل، وإلا لزم افتقاره إلى محل آخر، و يستمر ذلكإلى غير النهاية و أيضا فعلى هذا التقديريكون