اعلم أنه تعالى لما نفر الغافلين عن الميلإلى الدنيا بالمثل السابق، رغبهم فيالآخرة بهذه الآية و وجه الترغيب فيالآخرة ما روي عن النبي صلّى الله عليهوسلّم أنه قال: «مثلي و مثلكم شبه سيد بنىدارا و وضع مائدة و أرسل داعيا، فمن أجابالداعي داخل الدار و أكل من المائدة و رضيعنه السيد و من لم يجب لم يدخل و لم يأكل ولم يرض عنه السيد فاللَّه السيد، و الداردار الإسلام، و المائدة الجنة، و الداعيمحمد عليه السلام. و عن النبي صلّى اللهعليه وسلّم أنه قال: «ما من يوم تطلع فيهالشمس إلا و بجنيبها ملكان يناديان بحيثيسمع كل الخلائق إلا الثقلين أيها الناسهلموا إلى ربكم و اللَّه يدعو إلى دارالسلام».
المسألة الثانية: لا شبهة أن المراد مندار السلام الجنة،
إلا أنهم اختلفوا في السبب الذي لأجله حصلهذا الاسم على وجوه: الأول: أن السلام هواللَّه تعالى، و الجنة داره و يجب عليناههنا بيان فائدة تسمية اللَّه تعالىبالسلام، و فيه وجوه: أحدها: أنه لما كانواجب الوجود لذاته فقد سلم من الفناء والتغير، و سلم من احتياجه في ذاته و صفاتهإلى الافتقار إلى الغير، و هذه الصفة ليستإلا له سبحانه كما قال: وَ اللَّهُالْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ[محمد: 38] و قال: يا أَيُّهَا النَّاسُأَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ[فاطر: 15] و ثانيها: أنه تعالى يوصف بالسلامبمعنى أن الخلق سلموا من ظلمه، قال: وَ مارَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: 46]و لأن كل ما سواه فهو ملكه و ملكه، و تصرفالفاعل في ملك نفسه لا يكون ظلما و لأنالظلم إنما يصدر إما عن العاجز أو الجاهلأو المحتاج، و لما كان الكل محالا علىاللَّه تعالى، كان الظلم محالا في حقه. وثالثها: قال المبرد: إنه تعالى يوصفبالسلام بمعنى أنه ذو السلام، أي الذي لايقدر على السلام إلا هو، و السلام عبارة عنتخليص العاجزين عن المكاره و الآفات فالحقتعالى هو الساتر لعيوب المعيوبين، و هوالمجيب لدعوة المضطرين، و هو المنتصفللمظلومين من الظالمين قال المبرد: و علىهذا التقدير: السلام مصدر سلم.
القول الثاني:
السلام جمع سلامة، و معنىدار السلام: الدار التي من دخلها سلم منالآفات فالسلام ههنا بمعنى السلامة،كالرضاع بمعنى الرضاعة فإن الإنسان هناكسلم من كل الآفات، كالموت و المرض و الألمو المصائب و نزغات الشيطان و الكفر والبدعة و الكد و التعب.
و القول الثالث:
أنه سميت الجنة بدارالسلام لأنه تعالى يسلم على أهلها قالتعالى: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ[يس: 58] و الملائكة يسلمون عليهم أيضا، قالتعالى: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَعَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ