المسألة الثالثة: (ما) في قوله تعالى: قُلْأَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ فيهوجهان:
أحدهما: بمعنى الذي فينتصب برأيتم و الآخرأن يكون بمعنى أي في الاستفهام، فينتصببأنزل و هو قول الزجاج، و معنى أنزل ههناخلق و أنشأ كقوله: وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَالْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الزمر:6] و جاز أن يعبر عن الخلق بالإنزال، لأن كلما في الأرض من رزق فما أنزل من السماء منضرع و زرع و غيرهما، فلما كان إيجادهبالإنزال سمي إنزالا.
[سورة يونس (10): آية 61]
وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوامِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَ لا تَعْمَلُونَمِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْشُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَ مايَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِيالسَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61)[في قوله تعالى وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍوَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ]في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه لما أطال الكلامفي أمر الرسول بإيراد الدلائل على فسادمذاهب الكفار،
و في أمره بإيراد الجواب عن شبهاتهم، و فيأمره بتحمل أذاهم، و بالرفق معهم ذكر هذاالكلام ليحصل به تمام السلوة و السرورللمطيعين، و تمام الخوف و الفزع للمذنبين،و هو كونه سبحانه عالما بعمل كل و احد، وبما في قلبه من الدواعي و الصوارف، فإنالإنسان ربما أظهر من نفسه نسكا و طاعة وزهدا و تقوى، و يكون باطنه مملوأ من الخبثو ربما كان بالعكس من ذلك فإذا كان الحقسبحانه عالما بما في البواطن كان ذلك منأعظم أنواع السرور للمطيعين و من أعظمأنواع التهديد للمذنبين.
المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى خصصالرسول في أول هذه الآية بالخطاب فيأمرين،
ثم أتبع ذلك بتعميم الخطاب مع كل المكلفينفي شيء و احد، أما الأمران المخصوصانبالرسول عليه الصلاة و السلام فالأول:منهما قوله: وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ واعلم أن (ما) ههنا جحد و الشأن الخطب والجمع الشؤن، تقول العرب ما شأن فلان أي ماحاله، قال الأخفش: و تقول ما شأنت شأنه أيما عملت عمله، و فيه وجهان: قال ابن عباس: وما تكون يا محمد في شأن يريد من أعمال البرو قال الحسن: في شأن من شأن الدنيا و حوائجكفيها. و الثاني: منهما قوله تعالى: وَ ماتَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ و اختلفوافي أن الضمير في قوله: مِنْهُ إلى ماذايعود؟ و ذكروا فيه ثلاثة أوجه: الأول: أنهراجع إلى الشأن لأن تلاوة القرآن شأن منشأن رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم، بلهو معظم شأنه، و على هذا التقدير، فكان هذاداخلا تحت قوله: وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍإلا أنه خصه بالذكر تنبيها على علومرتبته، كما في قوله تعالى: وَمَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَوَ مِيكالَ [البقرة: 98] و كما في قوله: