قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْفِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُالَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِاللَّهِ وَ لكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَالَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَ أُمِرْتُ أَنْأَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَ أَنْأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لايَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ فَإِنْفَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَالظَّالِمِينَ (106)و اعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل علىأقصى الغايات و أبلغ النهايات، أمر رسولهبإظهار دينه و بإظهار المباينة عنالمشركين، لكي تزول الشكوك و الشبهات فيأمره و تخرج عبادة اللَّه من طريقة السرإلى الإظهار فقال: قُلْ يا أَيُّهَاالنَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْدِينِي و اعلم أن ظاهر هذه الآية يدل علىأن هؤلاء الكفار ما كانوا يعرفون دين رسولاللَّه صلّى الله عليه وسلّم، و في الخبرإنهم كانوا يقولون فيه قد صبأ و هو صابىءفأمر اللَّه تعالى أن يبين لهم أنه على دينإبراهيم حنيفا مسلما لقوله تعالى: إِنَّإِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاًلِلَّهِ حَنِيفاً [النحل: 120] و لقوله:وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَالسَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً[الأنعام: 79] و لقوله: لا أَعْبُدُ ماتَعْبُدُونَ [الكافرون: 2] و المعنى: أنكمإن كنتم لا تعرفون ديني فأنا أبينه لكم علىسبيل التفصيلثم ذكر فيه أمورا.
فالقيد الأول:
قوله: فَلا أَعْبُدُالَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِاللَّهِو إنما وجب تقديم هذا النفي لما ذكرنا أنإزالة النقوش الفاسدة عن اللوح لا بد و أنتكون مقدمة على إثبات النقوش الصحيحة فيذلك اللوح، و إنما وجب هذا النفي لأنالعبادة غاية التعظيم و هي لا تليق إلا بمنحصلت له غاية الجلال و الإكرام، و أماالأوثان فإنها أحجار و الإنسان أشرف حالامنها، و كيف يليق بالأشرف أن يشتغل بعبادةالأخس.
القيد الثاني:
قوله: وَ لكِنْ أَعْبُدُاللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْو المقصود أنه لما بين أنه يجب ترك عبادةغير اللَّه، بين أنه يجب الاشتغال بعبادةاللَّه.فإن قيل: ما الحكمة في ذكر المعبود الحق فيهذا المقام بهذه الصفة و هي قوله: الَّذِييَتَوَفَّاكُمْ.قلنا فيه وجوهالأول: يحتمل أن يكونالمراد أني أعبد اللَّه الذي خلقكم أولاثم يتوفاكم ثانيا ثم يعيدكم ثالثا، و هذهالمراتب الثلاثة قد قررناها في القرآنمرارا و أطوارا فههنا اكتفى بذكر التوفيمنها لكونه منبها على البواقي. الثاني: أنالموت أشد الأشياء مهابة، فنخص هذا الوصفبالذكر في هذا المقام، ليكون أقوى فيالزجر و الردع. الثالث: أنهم لما استعجلوانزول العذاب قال تعالى: فَهَلْيَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِالَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْفَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَالْمُنْتَظِرِينَ ثُمَّ نُنَجِّيرُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا [يونس: 102،103] فهذه الآية تدل على أنه تعالى يهلكأولئك الكفار و يبقي المؤمنين و يقويدولتهم فلما كان قريب العهد بذكر هذاالكلام لا جرم قال ههنا: وَ لكِنْ أَعْبُدُاللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ و هوإشارة إلى ما قرره و بينه في تلك الآيةكأنه يقول: أعبد ذلك الذي و عدني بإهلاكهمو بإبقائي.
و القيد الثالث:
من الأمور المذكورة فيهذه الآية قوله: وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَمِنَ الْمُؤْمِنِينَو اعلم أنه لما ذكر العبادة و هي من جنسأعمال الجوارح انتقل منها إلى الإيمان والمعرفة، و هذا يدل على أنه ما لم يصرالظاهر مزينا بالأعمال الصالحة، فإنه لايحصل في القلب نور الإيمان و المعرفة.