أنه تعالى لما قدر علىتخليق ما هو أعظم من أبدان الناس فكيفيقال: إنه لا يقدر على إعادتها؟فإن من كان الفعل الأصعب عليه سهلا، فلأنيكون الفعل السهل الحقير عليه سهلا كانأولى و هذا المعنى مذكور في آيات كثيرة:منها: قوله تعالى: أَ وَ لَيْسَ الَّذِيخَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَبِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَمِثْلَهُمْ [يس: 81] و ثانيها: قوله تعالى: أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِيخَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْيَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلىأَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى [الأحقاف: 33] وثالثها: أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِالسَّماءُ بَناها [النازعات: 27].
المثال الخامس:
الاستدلال بحصول اليقظةبعد النوم على جواز الحشر و النشر،فإن النوم أخو الموت، و اليقظة شبيهةبالحياة بعد الموت قال تعالى: وَ هُوَالَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ[الأنعام:60] ثم ذكر عقيبه أمر الموت و البعث، فقال:وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىإِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُتَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لايُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَىاللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [الأنعام: 61،62] و قال في آية أخرى اللَّهُ يَتَوَفَّىالْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِيلَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها إلى قوله: إِنَّفِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍيَتَفَكَّرُونَ [الزمر: 42] و المراد منهالاستدلال بحصول هذه الأحوال على صحةالبعث و الحشر و النشر.
المثال السادس:
أن الإحياء بعد الموت لايستنكر إلا من حيث إنه يحصل الضد بعد حصولالضد،إلا أن ذلك غير مستنكر في قدرة اللّهتعالى، لأنه لما جاز حصول الموت عقيبالحياة فكيف يستبعد حصول الحياة مرة أخرىبعد الموت؟ فإن حكم الضدين واحد قال تعالىمقررا لهذا المعنى: نَحْنُ قَدَّرْنابَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَ ما نَحْنُبِمَسْبُوقِينَ [الواقعة: 60] و أيضا نجدالنار مع حرها و يبسها تتولد من الشجرالأخضر مع برده و رطوبته فقال: الَّذِيجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِالْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْمِنْهُ تُوقِدُونَ [يس: 80] فكذا ههنا، فهذاجملة الكلام في بيان أن القول بالمعاد، وحصول الحشر و النشر غير مستبعد في العقول.
المسألة الثانية: في إقامة الدلالة على أنالمعاد حق واجب.