المسألة السابعة: قال صاحب «الكشاف» قوله:مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ يحتمل وجوها:
الأول: أنا ذكرنا أن قوله: كِتابٌ خبر وأُحْكِمَتْ صفة لهذا الخبر، و قوله: مِنْلَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ صفة ثانية والتقدير:الر كتاب من لدن حكيم خبير. و الثاني: أنيكون خبرا بعد خبر و التقدير: الر من لدنحكيم خبير. و الثالث:أن يكون ذلك صفة لقوله: (أحكمت، و فصلت) أيأحكمت و فصلت من لدن حكيم خبير، و على هذاالتقدير فقد حصل بين أول هذه الآية و بينآخرها نكتة لطيفة كأنه يقول أحكمت آياتهمن لدن حكيم و فصلت من لدن خبير عالمبكيفيات الأمور.
المسألة الأولى: اعلم أن في قوله: أَلَّاتَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وجوها:
الأول: أن يكون مفعولا له و التقدير:كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لأجل ألا تعبدواإلا اللَّه و أقول هذا التأويل يدل على أنهلا مقصود من هذا الكتاب الشريف إلا هذاالحرف الواحد، فكل من صرف عمره إلى سائرالمطالب، فقد خاب و خسر. الثاني: أن تكون(أن) مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القولو الحمل على هذا أولى، لأن قوله: وَ أَنِاسْتَغْفِرُوا معطوف على قوله: أَلَّاتَعْبُدُوا فيجب أن يكون معناه: أي لاتعبدوا ليكون الأمر معطوفا على النهي، فإنكونه بمعنى لئلا تعبدوا يمنع عطف الأمرعليه. و الثالث: أن يكون التقدير: الر كتابأحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبيرليأمر الناس أن لا يعبدوا إلا اللَّه ويقول لهم، إنني لكم منه نذير و بشير واللَّه أعلم.
المسألة الثانية: اعلم أن هذه الآيةمشتملة على التكليف من وجوه:
الأول: أنه تعالى أمر بأن لا يعبدوا إلااللَّه، و إذا قلنا: الاستثناء من النفيإثبات، كان معنى هذا الكلام النهي عنعبادة غير اللَّه تعالى، و الأمر بعبادةاللَّه تعالى، و ذلك هو الحق، لأنا بينا أنما سوى اللَّه فهو محدث مخلوق مربوب، وإنما حصل بتكوين اللَّه و إيجاده، والعبادة عبارة عن إظهار الخضوع و الخشوع ونهاية التواضع و التذلل و هذا لا يليق إلابالخالق المدبر الرحيم المحسن، فثبت أنعبادة غير اللَّه منكرة، و الإعراض عنعبادة اللَّه منكر.و اعلم أن عبادة اللَّه مشروطة بتحصيلمعرفة اللَّه تعالى قبل العبادة، لأن منلا يعرف معبوده لا ينتفع بعبادته فكانالأمر بعبادة اللَّه أمرا بتحصيل المعرفةأولا و نظيره قوله تعالى في أول سورةالبقرة: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوارَبَّكُمُ [البقرة: 21] ثم أتبعه بالدلائلالدالة على وجود الصانع و هو قوله: الَّذِيخَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ[البقرة: 21] إنما حسن ذلك لأن الأمربالعبادة يتضمن الأمر بتحصيل المعرفة فلاجرم ذكر ما يدل على تحصيل المعرفة.ثم قال: إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌوَ بَشِيرٌ و فيه مباحث: