فتقريره أنه روي أناللَّه تعالى سلط القحط على أهل مكة سبعسنين ثم رحمهم، و أنزل الأمطار النافعةعلى أراضيهم، ثم إنهم أضافوا تلك المنافعالجليلة إلى الأصنام و إلى الأنواء، و علىالتقديرين فهو مقابلة للنعمة بالكفران.فقوله: وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَرَحْمَةً المراد منه تلك الأمطار النافعة.و قوله: مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْالمراد منه ذلك القحط الشديد. و قوله: إِذالَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا المراد منهإضافتهم تلك المنافع الجليلة إلى الأنواءو الكواكب أو إلى الأصنام.و اعلم أنه تعالى ذكر هذا المعنى بعينهفيما تقدم من هذه السورة، و هو قوله تعالى:وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّدَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْقائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُناإِلى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس: 12] إلا أنهتعالى زاد في هذه الآية التي نحن فيتفسيرها دقيقة أخرى ما ذكرها في تلكالآية، و تلك الدقيقة هي أنهم يمكرون عندوجدان الرحمة، و يطلبون الغوائل، و فيالآية المتقدمة ما كانت هذه الدقيقةمذكورة، فثبت بما ذكرنا أن عادة هؤلاءالأقوام اللجاج و العناد و المكر و طلبالغوائل.
و أما المقام الثاني:
و هو بيان أنه متىكان الأمر كذلك فلا فائدة في إظهار سائرالآيات، لأنه تعالى لو أظهر لهم جميع ماطلبوه من المعجزات الظاهرة فإنهم لايقبلونها، لأنه ليس غرضهم من هذهالاقتراحات التشدد في طلب الدين، و إنماغرضهم الدفع و المنع و المبالغة في صونمناصبهم الدنيوية، و الامتناع منالمتابعة للغير، و الدليل عليه أنه تعالىلما شدد الأمر عليهم و سلط البلاء عليهم،ثم أزالها عنهم و أبدل تلك البلياتبالخيرات، فهم مع ذلك استمروا على التكذيبو الجحود، فدل ذلك على أنه تعالى لو أنزلعليهم الآيات التي طلبوها لم يلتفتواإليها، فظهر بما ذكرنا أن هذا الكلام جوابقاطع عن السؤال المتقدم.
الوجه الثاني:
في تقرير هذا الجواب: أن أهلمكة قد حصل لهم أسباب الرفاهية و طيبالعيش، و من كان كذلك تمرد و تكبر كما قالتعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْرَآهُ اسْتَغْنى [العلق: 6، 7] و قرر تعالىهذا المعنى بالمثال المذكور، فإقدامهمعلى طلب الآيات الزائدة و الاقتراحاتالفاسدة، إنما كان لأجل ما هم فيه من النعمالكثيرة و الخيرات المتوالية، و قوله:قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً كالتنبيهعلى أنه تعالى يزيل عنهم تلك النعم، ويجعلهم منقادين للرسول مطيعين له، تاركينلهذه الاعتراضات الفاسدة، و اللَّه أعلم.