المسألة الثانية: قوله: ما جِئْتُمْ بِهِالسِّحْرُ ما ههنا موصولة بمعنى الذي
و هي مرتفعة بالابتداء، و خبرها السحر،قال الفراء: و إنما قال: السِّحْرُ بالألفو اللام، لأنه جواب كلام سبق ألا ترى أنهمقالوا: لما جاءهم موسى هذا سحر، فقال لهمموسى: بل ما جئتم به السحر، فوجب دخولالألف و اللام، لأن النكرة إذا عادت عادتمعرفة، يقول الرجل لغيره: لقيت رجلا فيقولله من الرجل فيعيده بالألف و اللام، و لوقال له من رجل لم يقع في فهمه أنه سأله عنالرجل الذي ذكره له. و قرأ أبو عمرو: آلسحربالاستفهام، و على هذه القراءة مااستفهامية مرتفع بالابتداء، و جئتم به فيموضع الخبر كأنه قيل: أي شيء جئتم به ثمقال على وجه التوبيخ و التقريع: آلسحركقوله تعالى: أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ[المائدة: 116] و السحر بدل من المبتدأ، و لزمأن يلحقه الاستفهام ليساوي المبدل منه فيأنه استفهام، كما تقول كم مالك أعشرون أمثلاثون؟ فجعلت أعشرون بدلا من كم، و لايلزم أن يضمر للسحر خبر، لأنك إذا أبدلتهمن المبتدأ صار في موضعه و صار ما كان خبراعن المبدل منه خبرا عنه.ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَسَيُبْطِلُهُ أي سيهلكه و يظهر فضيحةصاحبه إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَالْمُفْسِدِينَ أي لا يقويه و لا يكمله.ثم قال: وَ يُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ ومعنى إحقاق الحق إظهاره و تقويته. و قوله:بِكَلِماتِهِ أي بوعده موسى. و قيل بما سبقمن قضائه و قدره، و في كلمات اللَّه أبحاثغامضة عميقة عالية، و قد ذكرناها في بعضمواضع من هذا الكتاب.
[سورة يونس (10): آية 83]
فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌمِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْفِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِمْ أَنْيَفْتِنَهُمْ وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍفِي الْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَالْمُسْرِفِينَ (83)[في قوله تعالى فَما آمَنَ لِمُوسىإِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ]و اعلم أنه تعالى بين فيما تقدم ما كان منموسى عليه السلام من المعجزات العظيمة وما ظهر من تلقف العصا لكل ما أحضروه منآلات السحر، ثم إنه تعالى بين أنهم معمشاهدة المعجزات العظيمة ما آمن به منهمإلا ذرية من قومه، و إنما ذكر تعالى ذلكتسلية لمحمد صلّى الله عليه وسلّم لأنهكان يغتم بسبب إعراض القوم عنه واستمرارهم على الكفر، فبين أن له في هذاالباب بسائر الأنبياء أسوة، لأن الذي ظهرمن موسى عليه السلام كان في الإعجاز فيمرأى العين أعظم، و مع ذلك فما آمن به منهمإلا ذرية. و اختلفوا في المراد بالذرية علىوجوه:الأول: أن الذرية ههنا معناها تقليلالعدد. قال ابن عباس: لفظ الذرية يعبر به عنالقوم على وجه التحقير و التصغير، و لاسبيل إلى حمله على التقدير على وجهالإهانة في هذا الموضع فوجب حمله علىالتصغير