المسألة الثالثة: في الجواب عن شبهاتالمنكرين للحشر و النشر.
الشبهة الأولى:
قالوا: لو بدلت هذه الداربدار أخرى لكانت تلك الدار إما أن تكون مثلهذه الدار أو شرا منها أو خيرا منها،فإن كان الأول كان التبديل عبثا، و إن كانشرا منها كان هذا التبديل سفها، و إن كانخيرا منها ففي أول الأمر هل كان قادرا علىخلق ذلك الأجود أو ما كان قادرا عليه؟ فإنقدر عليه ثم تركه و فعل الأردأ كان ذلكسفها، و إن قلنا: إنه ما كان قادرا ثم صارقادرا عليه فقد انتقل من العجز إلىالقدرة، أو من الجهل إلى الحكمة، و أن ذلكعلى خالق العالم محال.و الجواب: لم لا يجوز أن يقال تقديم هذهالدار على تلك الدار هو المصلحة، لأنالكمالات النفسانية الموجبة للسعادةالأخروية لا يمكن تحصيلها إلا في هذهالدار، ثم عند حصول هذه الكمالات كانالبقاء في هذه الدار سببا للفساد والحرمان عن الخيرات.
الشبهة الثانية:
قالوا: حركات الأفلاكمستديرة، و المستدير لا ضد له، و ما لا ضدله لا يقبل الفساد.و الجواب: أنا أبطلنا هذه الشبهة في الكتبالفلسفية، فلا حاجة إلى الإعادة. و الأصلفي إبطال أمثال هذه الشبهات أن نقيمالدليل على أن أجرام الأفلاك مخلوقة، ومتى ثبت ذلك ثبت كونها قابلة للعدم والتفرق و التمزق و لهذا السر، فإنه تعالىفي هذه السورة بدأ بالدلائل الدالة علىحدوث الأفلاك، ثم أردفها بما يدل على صحةالقول بالمعاد.
الشبهة الثالثة:
الإنسان عبارة عن هذاالبدن، و هو ليس عبارة عن هذه الأجزاء كيفكانت،لأن هذه الأجزاء كانت موجودة قبل حدوث هذاالإنسان، مع أنا نعلم بالضرورة أن هذاالإنسان ما كان موجودا، و أيضا أنه إذاأحرق هذا الجسد، فإنه تبقى تلك الأجزاءالبسيطة، و معلوم أن مجموع تلك الأجزاءالبسيطة من الأرض و الماء و الهواء والنار، ما كان عبارة عن هذا الإنسانالعاقل الناطق، فثبت أن تلك الأجزاء إنماتكون هذا الإنسان بشرط وقوعها على تأليفمخصوص، و مزاج مخصوص، و صورة مخصوصة، فإذامات الإنسان و تفرقت أجزاؤه فقد عدمت تلكالصور و الأعراض، و عود المعدوم محال و علىهذا التقدير فإنه يمتنع عود بعض الأجزاءالمعتبرة في حصول هذا الإنسان فوجب أنيمتنع عوده بعينه مرة أخرى.و الجواب: لا نسلم أن هذا الإنسان المعينعبارة عن هذا الجسد المشاهد، بل هو عبارةعن النفس سواء فسرنا النفس بأنه جوهرمفارق مجرد، أول قلنا إنه جسم لطيف مخصوصمشاكل لهذا الجسد مصون عن التغير، و اللّهأعلم به.