نظيره قوله تعالى في سورة يس: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [يس: 39] وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون المعنى و قدرمسيره منازل. و الثاني: أن يكون المعنى وقدره ذا منازل.
المسألة السابعة: الضمير في قوله: وَقَدَّرَهُ فيه وجهان:
الأول: أنه لهما، و إنما وحد الضميرللإيجاز، و إلا فهو في معنى التثنيةاكتفاء بالمعلوم، لأن عدد السنين و الحسابإنما يعرف بسير الشمس و القمر، و نظيرهقوله تعالى: وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُأَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التوبة: 62] والثاني: أن يكون هذا الضمير راجعاً إلىالقمر وحده، لأن بسير القمر تعرف الشهور،و ذلك لأن الشهور المعتبرة في الشريعةمبنية على رؤية الأهلة، و السنة المعتبرةفي الشريعة هي السنة القمرية، كما قالتعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَاللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِاللَّهِ [التوبة: 36].
المسألة الثامنة: اعلم أن انتفاع الخلقبضوء الشمس و بنور القمر عظيم،
فالشمس سلطان النهار و القمر سلطان الليلو بحركة الشمس تنفصل السنة إلى الفصولالأربعة، و بالفصول الأربعة تنتظم مصالحهذا العالم و بحركة القمر تحصل الشهور، وباختلاف حاله في زيادة الضوء و نقصانهتختلف أحوال رطوبات هذا العالم و بسببالحركة اليومية يحصل النهار و الليل،فالنهار يكون زمانا للتكسب و الطلب، والليل يكون زمانا للراحة، و قد استقصينافي منافع الشمس و القمر في تفسير الآياتاللائقة بها فيما سلف، و كل ذلك يدل علىكثرة رحمة اللّه على الخلق و عظم عنايتهبهم، فإنا قد دللنا على أن الأجساممتساوية و متى كان كذلك كان اختصاص كل جسمبشكله المعين و وضعه المعين، و حيزهالمعين، و صفته المعينة، ليس إلا بتدبيرمدبر حكيم رحيم قادر قاهر و ذلك يدل على أنجميع المنافع الحاصلة في هذا العالم بسببحركات الأفلاك و مسير الشمس و القمر والكواكب، ما حصل إلا بتدبير المدبر المقدرالرحيم الحكيم سبحانه و تعالى عما يقولالظالمون علوا كبيرا ثم إنه تعالى لما قررهذه الدلائل ختمها بقوله: ما خَلَقَاللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ و معناهأنه تعالى خلقه على وفق الحكمة و مطابقةالمصلحة، و نظيره قوله تعالى في آل عمران:وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِالسَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ماخَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ [آلعمران: 191] و قال في سورة آخرى: وَ ماخَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ مابَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّالَّذِينَ كَفَرُوا [ص: 27] و فيه مسائل:المسألة الأولى: قال القاضي: هذه الآية تدلعلى بطلان الجبر، لأنه تعالى لو كان مريدالكل ظلم، و خالقا لكل قبيح، و مريدا لإضلالمن ضل، لما صح أن يصف نفسه بأنه ما خلق ذلكإلا بالحق.المسألة الثانية: قال حكماء الإسلام: هذايدل على أنه سبحانه أودع في أجرام الأفلاكو الكواكب خواص معينة و قوى مخصوصة،باعتبارها تنتظم مصالح هذا العالم السفليإذ لو لم يكن لها آثار و فوائد في هذا