الماء من ذلك الموضع ليكون ذلك معجزة له،و أيضا المعنى أنه لما نبع الماء من أعاليالأرض، و من الأمكنة المرتفعة فشبهتلارتفاعها بالتنانير. الثالث: فارَالتَّنُّورُ أي طلع الصبح و هو منقول عنعلي رضي اللَّه عنه. الرابع: فارَالتَّنُّورُ يحتمل أن يكون معناه أشدالأمر كما يقال: حمي الوطيس و معنى الآيةإذا رأيت الأمر يشتد و الماء يكثر فانجبنفسك و من معك إلى السفينة.
فإن قيل: فما الأصح من هذه اقوال؟
قلنا: الأصل حمل الكلام على حقيقته و لفظالتنور حقيقة في الموضع الذي يخبز فيهفوجب حمل اللفظ عليه و لا امتناع في العقلفي أن يقال: إن الماء نبع أولا من موضع معينو كان ذلك الموضع تنورا.
فإن قيل: ذكر التنور بالألف و اللام و هذاإنما يكون معهود سابق معين معلوم عندالسامع و ليس في الأرض تنور هذا شأنه، فوجبأن يحمل ذلك على أن المراد إذا رأيت الماءيشتد نبوعه و الأمر يقوى فانج بنفسك و بمنمعك.
قلنا: لا يبعد أن يقال: إن ذلك التنور كانلنوح عليه السلام بأن كان تنور آدم أو حواءأو كان تنورا عينه اللَّه تعالى لنوح عليهالسلام و عرفه أنك إذا رأيت الماء يفورفاعلم أن الأمر قد وقع، و على هذا التقديرفلا حاجة إلى صرف الكلام عن ظاهره.
و لا شبهة في أن نفس التنور لا يفورفالمراد فار الماء من التنور، و الذي رويأن فور التنور كان علامة لهلاك القوم لايمتنع لأن هذه واقعة عظيمة، و قد و عداللَّه تعالى المؤمنين النجاة فلا بد و أنيجعل لهم علامة بها يعرفون الوقت المعين،فلا يبعد جعل هذه الحالة علامة لحدوث هذهالواقعة.
قال الأزهري: و هذا يدل على أن الاسم قديكون أعجميا فتعربه العرب فيصير عربيا، والدليل على ذلك أن الأصل تنار و لا يعرف فيكلام العرب تنور قبل هذا، و نظيره ما دخلفي كلام العرب من كلام العجم الديباج والدينار و السندس و الاستبرق فإن العربلما تكلموا بهذه الألفاظ صارت عربية.
و اعلم أنه لما فار التنور فعند ذلك أمرهاللَّه تعالى بأن يحمل في السفينة ثلاثةأنواع من الأشياء. فالأول:
قوله: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّزَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ قال الأخفش: تقولالاثنان هما زوجان قال تعالى: وَ مِنْكُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ[الذاريات: 49] فالسماء زوج و الأرض زوج والشتاء زوج و الصيف زوج و النهار زوج والليل زوج، و تقول للمرأة هي زوج و هوزوجها قال تعالى: وَ خَلَقَ مِنْهازَوْجَها [النساء: 1] يعني المرأة، و قال: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَوَ الْأُنْثى [النجم: 45] فثبت أن الواحدقد يقال له: زوج و مما يدل على ذلك قولهتعالى: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَالضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِاثْنَيْنِ و مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ [الأنعام: 143].
إذا عرفت هذا فنقول: الزوجان عبارة عن كلشيئين يكون أحدهما ذكرا و الآخر أنثى والتقدير كل شيئين هما كذلك فاحمل منهما فيالسفينة اثنين و احد ذكر و الآخر أنثى، ولذلك قرأ حفص مِنْ كُلٍّ بالتنوين