من الخوف، لأنه لا يدري أنه كيف تحدثالأحوال فثبت أن حصول العقل للإنسان سببلحصول المضار العظيمة في الدنيا و الآلامالنفسانية الشديدة القوية. و أما اللذاتالجسمانية فهي مشتركة بين الناس و بينسائر الحيوانات، لأن السرقين في مذاقالجعل طيب، كما أن اللوزينج في مذاقالإنسان طيب.
إذا ثبت هذا فنقول: لو لم يحصل للإنسانمعاد به تكمل حالته و تظهر سعادته، لوجب أنيكون كمال العقل، سببا لمزيد الهموم والغموم و الأحزان من غير جابر يجبر، ومعلوم أن كل ما كان كذلك فإنه يكون سببالمزيد الخسة و الدناءة و الشقاء و التعبالخالية عن المنفعة فثبت أنه لو لا حصولالسعادة الأخروية لكان الإنسان أخسالحيوانات حتى الخنافس و الديدان، و لماكان ذلك باطلا قطعا، علمنا أنه لا بد منالدار الآخرة، و أن الإنسان خلق للآخرة لاللدنيا، و أنه بعقله يكتسب موجباتالسعادات الأخروية فلهذا السبب كان العقلشريفا.
أنه تعالى قادر على إيصالالنعم إلى عبيده على وجهين:
أحدهما: أن تكون النعم مشوبة بالآفات والأحزان. و الثاني: أن تكون خالصة عنها،فلما أنعم اللّه تعالى في الدنيا بالمرتبةالأولى وجب أن ينعم علينا بالمرتبةالثانية في دار أخرى، إظهارا لكمال القدرةو الرحمة و الحكمة، فهناك ينعم علىالمطيعين و يعفو عن المذنبين، و يزيلالغموم و الهموم و الشهوات و الشبهات والذي يقوي ذلك، و يقرر هذا الكلام أنالإنسان حين كان جنينا في بطن أمه، كان فيأضيق المواضع و أشدها عفونة و فسادا، ثمإذا خرج من بطن أمه كانت الحالة الثانيةأطيب و أشرف من الحالة الأولى، ثم إنه عندذلك يوضع في المهد و يشد شدا وثيقا، ثم بعدحين يخرج من المهد و يعدو يمينا و شمالا، وينتقل من تناول اللبن إلى تناول الأطعمةالطيبة، و هذه الحالة الثالثة لا شك أنهاأطيب من الحالة الثانية، ثم إنه بعد حينيصير أميرا نافذ الحكم على الخلق، أوعالما مشرفا على حقائق الأشياء، و لا شك أنهذه الحالة الرابعة أطيب و أشرف من الحالةالثالثة. و إذا ثبت هذا وجب بحكم هذاالاستقراء أن يقال: الحالة الحاصلة بعدالموت تكون أشرف و أعلى و أبهج من اللذاتالجسدانية و الخيرات الجسمانية.
طريقة الاحتياط،
فإنا إذا آمنا بالمعاد و تأهبنا له، فإنكان هذا المذهب حقا، فقد نجونا و هلكالمنكر، و إن كان باطلا، لم يضرنا هذاالاعتقاد. غاية ما في الباب أن يقال إنهتفوتنا هذه اللذات الجسمانية إلا أنا نقوليجب على العاقل أن لا يبالي بفوتهالأمرينأحدهما: أنها في غاية الخساسةلأنها مشترك فيها بين الخنافس و الديدان والكلاب. و الثاني: أنها منقطعة سريعةالزوال فثبت أن الاحتياط ليس إلا فيالإيمان بالمعاد، و لهذا قال الشاعر:
اعلم أن الحيوان ما داميكون حيوانا، فإنه إن قطع منه شيء مثلظفر أو ظلف أو شعر، فإنه يعود ذلك الشيء،
و إن جرح اندمل، و يكون الدم جاريا فيعروقه و أعضائه جريان الماء في عروق الشجرو أغصانه، ثم إذا مات انقلبت هذه الأحوال،فإن قطع منه شيء من شعره أو ظفره لم ينبت،و إن جرح لم يندمل و لم يلتحم، و رأيت الدميتجمد في عروقه، ثم بالآخرة يؤول حاله إلىالفساد و الانحلال ثم إنا لما نظرنا إلى